التقرير الرسمي للفيلسوف روجيه غارودي   لدعم  اطروحة بعنوان: " المبادئ الحيويه في الفكر الفلسفي والسياسي العربي المعاصر -تطبيقا للقانون الحيوي للدراسات الاجتماعيه" لنيل مؤلفها رائق النقري شهادة دكتوراة دوله من جامعة السوربون وقد تم  رفع  التقرير رسميا في اواخر 1983 . وتمت المناقشه έν

4-1-1984

وشارك مع لجنة المناقشه من ثلاث جامعات  ودافع الفيلسوف عن نفسه كما هو واضح في التقرير عن الانتقادت التي تضمنتها الاطروحه

أعتقد ان حضوري في لجنة التحكيم مبرراً لأن قسماً كبيراً من كتابك (( ثلثا المجلد الأول )) وجزءاً من المجلد الثاني يختصان بالماركسية . ليس لدي الكثير أقوله عن هذه النقطة وذلك لأن الماركسية التي تنتقدها ليست هي الماركسية الحقيقية بل هي الماركسية الكاريكاتورية التي قدمها السوفيات حول المادية الديالكتيكية وجعلت من الماركسية نظاماً شاملاً تتعلق بالقوانين العامة لتطور الكون – إنك تكرس قرابة 300 صفحة لطرد هذا الشبح .

وإن واضعي هذه الماركسية الكاريكاتورية ( حيث أعرف العديد منهم شخصياً ، عندما دافعت عام 1954 عن أطروحة دكتوراه في أكاديمية العلوم في موسكو وبشكل خاص الكاديمي : كونستانتينوف الذي ترأس لجنة التحكيم ، غلزرمان ، ودنيل الذي سبق لهم وأن نقدوا نقداً شديداً في الاتحاد السوفياتي منذ ثلاثين عاماً من قبل فلاسفة شبان ، لأنهم حولوا الماركسية إلى نقيضها فلسفة للطبيعة وفلسفة للتاريخ .)

إنك تحاول أن تؤيد هذه الترجمة باستادك إلى نصوص لجورج بولينزر المنتزعة من كتاب لم يكتب أبداً (( هي ملاحظاته حول دروسه حررها بعد عشر سنوات مستمع جاهل لا يفقه شيئاً في الفلسفة )) وإنك تستشهد بغارودي في كتاب وحيد (( أطروحتي للدكتوراه في باريس حيث أنني ما نعت عام 1956 ))، أي بعد عام من ظهوره ، إعادة طبعه ، وذلك لأنه تلوث بما اكتنفه من وضعية، وتقدم لنا استشهادين لماركس وانجلز وبدقة ذينيك الاستشهادين اللذين أنكر عليهما الرسالة الى كونراد شميدت ، بسبب عقائديتهما وصفتهما المنقصة . وبوجيز الكلمة فإن الصورة التي تحتفظ بها عن الماركسية ، هي بالضبط تلك التي تقول لماركس (( بصدد ما قاله بول لافارج عن الحتمية الاقتصادية ، وان كانت تلك هي الماركسية ، فأنا ماركس نفسي لست ماركسياً )) .

أعلم جيداً انه في المجلد الثاني من اطروحتك صفحة 259 تقول بأنك تقدم نقداً للماركسية السوفياتية الرسمية في العالم العربي . ولكن حتى ولو ألقيت نظرة من منظورك السياسي ، لا أعتقد أن أسلوبك للتهجم على الماركسية هو الأسلوب الأخصب لمشروعك وانك لواجد في ماركس ما يغذي تفكيرك .

وبالتأكيد لا يكفي لكي تصبح الماركسية معربة كما تقول بمجرد ادماج فرضيات ماركس حول شكل الانتاج الآسيوي ( ص 279 ) وذلك لأن هذا ليس تصحيحاً للنظرية المنهجية للأطوار الخمسة للتطور التاريخي الذي قال فيه ماركس بوضوح ( الايديولوجيا الألمانية ) بأنها ليست فلسفة للتاريخ بل فرضية عمل لا قيمة لها إلا للبلدان الواقعة شمال المتوسط . وان نصوص ماركس حول شكل الانتاج الآسيوي ( الذي للأسف لم تقترب منه ،، لم تهاجمه ،، أكثر من كتابات ماركس الأخرى ، ينزع إلى إقصاء كل محتوى عقائدي للمادية التاريخية .

وحتى في حال قبولي لاهتمامك السياسي ، ومنازلة الماركسية التقليدية لخالد بكداش أو لآخرين . أعتقد بأنك تحرم نفسك عناءات كبرى على المستوى الفكري أو السياسي ، كما يقال بإلقائك الطفل في ماء الحمام ؟! تقول وبعنوان كبير ( صفحة 281 ) إن الماركسية ظهرت لترد على واقع آخر غير الذي يمثله واقع العالم الحالي وهذا أمر صريح وأكيد وغير قابل للنقاش ، فماركسية ماركس ، نشأت من التجارب والعقائد الخاصة بأوربا الألمانية والفرنسية والانكليزية المعاشة في القرن التاسع عشر .

ولكن عوضاً عن مهاجمتها من خلال هذه التشويهات وهذه الكاريكاتورية التي تشير إليها صفحة ( 281 ) والتي تدعمها بحق ( الماركسية الرسمية ) بالمقارنة مع ما تدعوه ، الماركسية التقدية ، لو أنك اتجهت وعالجت ماركس مباشرة وليس بشكل ثانوي كان بامكانك تخليص هذه الماركسية مما لحقها من شوائب بصرف النظر عن ملابساتها التاريخية وولادتها الوربية وانحرافاتها اللاحقة ، وهذا أمر يخص ارث ماركس الكوني واعني ما يظل حياً في الماركسية ليس نهجاً من خلال الادعاء والزعم بأن الماركسية هي منهج لتطور في الطبيعة والتاريخ ، التي لا يتوقف أدعياؤها عن الزعم بها ونسبها لماركس . بل النظر الى الماركسية كمنهج للمبادرة التاريخية أي العلم والفن بآن واحد للتعرف والتمييز و إضاءة التناقضات الخاصة بعصر معين  ومجتمع معين وبعد مثل هذا التحليل يمكن إمتشاف المشروع القادر على تذليل تلك التناقضات .

بالنسبة للفكر الإسلامي فإنني سأقتصر على ملاحظتين :

عنوان الأطروحة يشير إلى تطبيق المبادئ الحيوية على مجمل الفكر الفلسفي والسياسي العربي المعاصر . ولكن في مجال الفكر الإسلامي لا تطرح باستثناء باقر الصدر ( الشيعي العراقي ) إلا نماذج سورية و تغييرك للعنوان بحيث يقتصر على النموذج السوري لم يحل دون تضييق آفاق الفكر الإسلامي . وهذا لا يعود فقط إلا أن الفصل المخصص لباقر الصدر لا يفي بالغرض ( وهذا مؤسف لأنه كان واحداً من أعظم محاولات إيلاج الإسلام على المستقبل بالإضافة إلى شريعتي )) بل يعود وبشكل خاص إلى التحديد على الميدان السوري يقودك إلى تضييق الأفق .

على سبيل المثال عندما نتكلم عن التيار الإسلامي المعاصر فإنك تصغره وتقلصه إلى مجرد (( حركة الإخوان المسلمين )) في سوريا . وهذه المحاولة تؤدي إلى إبعاد الممثلين الأفضل تعبيراً عن الفكر الإسلامي المعاصر من مصريين وباكستانيين . بالتأكيد ، كما لا تشير إلى حسن البني كمؤسس . ولكن بالعودة إلى الوجه الأقل تعبيراً في أعماله … كما لا تشير الى موضوع كتابات زميله ( سعيد رمضان ) الذي وضع كتابه الرئيسي عن الشريعة الإسلامية والذي ترجم للإنكليزية . وهو يناقض الصورة الكاريكاتورية التي يجسدها سعيد حوى والذي على الرغم من ذلك تخصص له ستين صفحة ، بينما لا تعطي عصام العطار إلا خمس صفحات مع أنه هو الآخر سوري . ولكنه يعد مثالاً للانفتاح والحوار بالمقارنة مع حوى .

وبكلمة ، فإنك تتابع إلى ما ندعوه بالتيار الإسلامي تماماً كما فعلت بالنسبة للتيار الماركسي . حيث تختار الطرق النقدية الأسهل من خلال اعتماد نصوص هشة كاريكاتورية ، كما هو الحال في كتب الماركسية الرسمية السوفياتية .

ملاحظة بشأن الكلمات :

لا أعلم لماذا لم تسع بما فيه الكفاية لإيضاح عرضك من أجل القراء غير العرب وذلك على الأقل من خلال ترجمة الكلمات الأساسية لدراستك . أنت تقوم بعمل متقن كما نحكم عليه من خلال النص عندما نحافظ على كلمة ( قصور )بأصلها العربي كتعبير عن معنى مقارب ( للأنتروبية ).. ولكن بالنسبة للمصطلح الأساسي Hayawi  الذي تحتفظ بلفظه وأصله العربي . فإنني كما أحكم عليه خلال النص يبدو لي وعلى الرغم من أنني لست لغوياً، فإن الحيوية يمكن ترجمتها من خلال (( الإسلام الحي )) أو الإسلام المبدع . لأن مترادفاتها واشتقاقاتها ، كما تقول ، تعني الحياة ، الدينامية المبدعة للحياة . مع العلم بأن بحثك يجد إرتسامه في الأفق الإسلامي .

وهكذا يتضح أن القضية أبعد من أن تكون قضية أبعد من أن تكون قضية كلمات واصطلاحات ، وهذا يعني أن الأمر لا يقتصر على مجرد الكلمات . اسمح لي بمماثلة : فعندما قام المترجمون الفرنسيون للقرآن بالاحتفاظ بكلمة الله Allah بأصلها العربي ، فإنهم تركوا المجال للقراء كي يعتقدوا أن الأمر يتعلق بإله آخر غير إله ابراهيم وموسى وعيسى . وعندما قام ( دينز ماسنيون ) بترجمة كلمة الله ب (Dieu  ) فإن كل آفاق الاسلام عادت للظهور على النحو الذي أوضحه النبي ( محمد ) والذي لم يدّعي تأسيس ديانة جديدة ، بل الدعوة والتذكير لكل الناس بإله ابراهيم المتتابع مع موسى وعيسى …

إذاً . لماذا تعطي الانطباع باستعمالك المتكرر لكلمة حيوي ، بأن الأمر يتعلق بنظام جديد ومنهج آخر غير الإسلام …؟ إنني أعتقد بأنني فهمت وبفرح بأنك تبحث أساساً عن استعادة وتنشيط الروح المبدعة لإسلام القرون الأولى والذي تحجّر بعد ذلك لمدة الف عام من التقليد واجترار صيغ مهترئة .. وأنت الآن من جديد تعطي الحياة لهذا الاسلام المشرق ..

إذاً لماذا لا تقول ذلك ؟! لماذا لا تعلنه بوضوح ؟! من خلال الحديث عن الاسلام الحي البدع . . الإسلام الحيوي … إن المجتهدين القدامى ، وجدوا حلولاً مذهلة لقضايا واشكالات عصرهم ، إنما لا يكفي أن نردد صيغهم من أجل حل مشاكلنا . إن احياء عبقرية سالفة لا يكون باجترار صيغهم بل باتباع مناهجهم المبدعة سواء أكانت من أبي حنيفة أم من كارل ماركس .

إنك توضح ذلك بقوة في الصفحة (369 ) من الجزء الأول عندما تشير إلى أن المخلصين للمنهج المحمدي – المحمديين – ليسوا أولئك الذين يجسدونه يتقمصونه  في تجاربهم المعاشة عندما يتساءلون عما سيفعله (محمد ) لو كان مكانهم ويعيش نفس ظروفهم .

جان جوريس قال من قبل : (( إن الإخلاص لبيت الأجداد لا يكون من خلال الاحتفاظ بالرماد ولكن بنقل الشعلة )) وهذا بدون شك هو ما نسميه بحيوية جوريس .

ولكن الكلمات لا تهم كثيراً .

ومن بعد نقدي كله أهنئك لكونك أحد الذين يحاولون أن لا يقرأوا العالم والله من خلال أعين الموتى

Roger Garaudy                                                                                        روجيه غاودي

حافظ الجمالي محمود استانبولي محمد الراشد جلال فاروق الشريف جودت سعيد روجيه غارودي
بيير تييه رنيه شيرر اوليفييه كاريه مفيد ابو مراد عادل العوا وهيب الغانم
اتصل بنا من نحن جميع الحقوق محفوظة لمدرسة دمشق المنطق الحيوي 1967 - 2004