(2) حوار مع خلفية قومية
للدكتور وهيب الغانم()
كنت ممتناً عندما ترك لي د. رائق مخطوطه الأخير "المبادرة الحيوية بعد
وقبل أزمة الخليج" كي أطلع عليه، فأنا أعرف سلفاً أنني سأمر بنتاج فكري
ممتع، وهذا ما حصل فعلاً. إلا أنه عندما طلب إلى أن أعلٍّق على ما قرأت،
وجدت المهمة من الصعوبة، بحيث تكاد تجعلها ظروفي العامة، وأوضاعي الصحية،
ضرباً من المحال. عديد من مراحل التاريخ، وعديد من الناس والنظريات، يُسقط
عليها المؤلف "النظرية الحيوية"، يصنِّفها على ضوئها، يستنتج من خلال ذلك،
موقفاً يعتبره "حيوياً" ويحاول أن يعالج به الحاضر.
كان بديهياً أن أعتذر، ولكنه قطع علىّ الطريق، عندما قال:
- خذ كامل حريتك في التعليق، شكلاً وموضوعاً.
فعسى لا يأخذ على إذن، أنني سأقدم هنا ما أستطيع وليس ما أتمنى، سأتناول
في حوارى، أربع نقاط:
(أ) لمحة حول النظرية.
(ب) إسقاطات النظرية على الناس والأحداث.
(ج) الحيوية العربية، الحيوية الإسلامية.
(د) وأخيراً مدرسة دمشق النقدية.
(أ) لمحة حول النظرية
سبق لي أن أبديت كل ما وسعني من ملاحظات حولها. في رسالة مطولة إلى رائق
–شبه
كتاب- وذلك بمناسبة مؤلفه الضخم "الإيديولوجية الحيوية".
تلك الرسالة ملكه، يطوي منها ما يشاء، ويرفض ما يشاء ويقرر ما يشاء.
مجلداته الجديدة الأربعة، تكريس للسابقة، والجديد فيها، إسقاط النظرية
الحيوية، على الناس والأحداث، ووصوله بعد ذلك إلى استنتاجات، فيها من
الجرأة والمسؤولية، بقدر ما فيها من الجدة.
حواري سيستهدف هذا الجديد والهام، ولكنني مع ذلك لا أجد بداً من إلقاء
نظرة سريعة على النظرية ذاتها.
1- الكون شكل، طريقة تشكل.
للوهلة الأولى، هذا صحيح. ولكنه لا يواصل الاحتفاظ بصحته إلا إذا أضفنا
أنه شكل لمضمون، طرق تشكل، لا تنتهي لمضمون واحد:
"طاقة، مادة، جسيِّم، موجة كهرطيسية، آية".
الآية، التي أتى بها المؤلف من القرآن "كل يوم هو في شأن"، وكذلك تنقله
الناجح حول كلمة:حوى، حي، احتوى، حواء، حياة، إنما يزيد هذه الحقيقة،
ويحمل إلى عقلنا اطمئناناً أوفر، عندما نجعل المعادلة: كون واحد، وطريق
تشكل لا تنتهي.
طبعاً، يخطر لكل إنسان - ومن حقه- أن يسأل: ما هو هذا المصدر الواحد
للدنيا. ولن يحرجنا السؤال، فما من أحد ادعى حتى الآن، أنه وضع يده على
اللغز. عقلنا البشري ما زال قاصراً عن تحديده.. إننا نسير نحوه باستمرار
دون أن نصل إليه، وليس من مصلحتنا، ولا من مصلحة هذا الوصول، فربما عنى
ذلك العدم لكلينا. الفعالية الخلاقة، الأبدية، بحاجة إلى ذهن من نوعها:
خلاقٍ وأبدي. المطلق والساكن، خواء وتوقف، بلوغه معناه الوحيد: العدم.
عندما عجز رسام عبقري عن نقد آخر لوحة أبدعها - كانت رائعة إنجازاته، لم
يقل إنه بلغ الكمال، وأن لوحته فوق كل نقد. قال للمعجبين بكل بساطة
وتواضع: الآن بدأت أشعر أنني أنحدر.
2- مقولة الشكل تملى على المؤلف استنتاجاً رئيسياً: نفى الجوهر.
وهناك يلوح شبح الانزلاق إلى السواسية، وربما إلى العبثية والعدم.
ففي الجوهر الثابت للأشياء، "وإقرار التغيير الدائم: وتعدد طرق التشكيل"
قد لا يسبب مشكلة ذات وزن في الطبيعة الصامتة: هي الفعالية شبه الآلية،
حيث الحياد هو الغالب، وحيث تظل ثمة فرصة للمراجعة والتصحيح، مع الأحياء،
مع الفعالية الحية ينتصب سلم القيم، ومعه تنتصب المسؤولية والخطورة.
بين تحول المادة أو الطاقة، من شكل إلى شكل، مراحل من التفاعلات، شبه
الآلية في البدء، والخلاقة في المراحل المتقدمة، لا تستطيع الكائنات الحية
من أبسطها إلى أرقاها، أن نتعامل معها إلا على أساس أن بينها فروقاً
"جوهرية".
جذور النباتات، لا نتعامل بالتساوي مع الصخرة والتربة الغضة، والعصافير لا
نتعامل بالتساوي، مع الصقر، وحبة القمح.
كذلك الإنسان -المفكر- إنه لا يتعامل مع الأفعى والشجرة على أساس أنهما
سيصبحان يوماً مثله، رحيماً، ولا يتعامل مع أنه والذئب على أساس أنهما في
نهاية التحليل سيصبحان طاقة واحدة، وإنما يتعامل مع أشكال الوجود على أساس
أنها تحمل فروقاً، هي في مرحلتها، وبالنسبة لتواجدها الزمني فروق جوهرية
أساسية وراسخة، ولو مرحلياً ونسبياً.
بين أن تكون المادة أو الطاقة (المضمون) وهجاً كهرطيسياً أو جسمياً، وبين
أن تصبح تفاحة أو بلبلاً أو إنساناً، مراحل من الأشكال التغييرات تستدعي
مجموعات من العلوم والمعارف، تساعدنا على فهمها، وبالتالي، على التعامل
معها على أساس فروقها (الجوهرية) لا على أساس بداياتها ونهاياتها. وكذلك
هو الأمر في الشؤون الإنسانية:
الناس لا يتعاملون فيما بينهم على أساس أشكالهم، وطرق تشكلهم العابرة،
والسيالة (المتحولة) باستمرار، وإنما على أساس ما بينهم من فروق،
يعتبرونها -أثناء التعامل- جوهرية.
وما يصبو إليه العقل الإنساني ليس السواسية، وإنما العدالة. في كل سباق،
يخضع المتسابقون لشروط واحدة، يقفون على خط واحد وينطلقون في لحظة واحدة..
على أن الجوائز المختلفة، تظل من حق المتسابقين.
ثمة فسحة لا يمكن أن تردم بين التأمل، وبين التعامل.. بين أن نتأمل
الأشياء، وبين أن نتعامل معها.. بين أن ندرس التاريخ، وبين أن نصنع
التاريخ.
ملاحظة أخيرة لابد منها:
عندما نقول: الكون طرق تشكل لانهاية لها، ولكل ظاهرة فيه قوانين تشكلها
وقوانين صيرورتها.. تواجهنا قضيتان:
1- الأشكال ليست قدراً مغلقاً، ولا قوانين التشكل قدر مغلق.
2- الكائنات -والمجموعات- الظالمة، والفاسدة، لا تشفع بها شروط تكونها،
ولا ظروف تشكلها: لا يشفع أنها شكل من أشكال الوجود، وعلى قدم المساواة في
ذلك مع سواها.
بالنسبة للإنسان، مهما تكن المظاهر متواصلة التغيير، فهي تتطلب منه
تعاملاً متغايراً.. وهنا تكمن مسؤوليته الجسمية والرئيسية.
أن يتكيف مع الدنيا سلباً وإيجاباً، بما يضمن سعادته: كرامته وغناه، أن
يدخل ساحة الكفاح المزدوج: مقاومة الخطر الماثل، والتخلص من أذاه، وتغيير
الشروط المادية: تعديل أسباب التشكل أو إلغاؤها: مهمة الإنسان الواعي،
مقاومة الطروحات الضالة، وتبديل شروط المجموعات البائسة من أجل أن يجئ
التغيير نحو الأفضل؛ الاحتياط الوحيد، صمام الأمن الوحيد، لعدم الانحراف
هو: أن يُظلَّلَ كفاحه هذا، اعتراف راسخ بهذا الحق للجميع: اعتراف بالحرية
والديمقراطية.. بالحرية للفرد، وبالديمقراطية للشعب: حق الأكثرية في
التنفيذ.. هذه الأكثرية المتحولة باستمرار والتي تظل ساحتها مفتوحة
للجميع.
بقي أن نضيف أن يتمتع بالحق نفسه جميع الشعوب.
(ب) إسقاطات النظرية على
الناس والأحداث
قبل البدء بالحوار، أود أن أبدي الملاحظة التالية:
عندما نقول س: حيوي، ع: غير حيوي لا نقدم ولا نستطيع أن نقدم استنتاجاً
ملزماً، وإنما رأياً يخصنا وحدنا، ويحتاج لكي يصبح مدخلاً إلى القدرة
والخلق إلى موافقة الآخرين.
فرق الجهد، البطالة، والقصور، عندما نسقطها على الناس والأحداث، لا يصبحان
اكتشافاً لقانون، وإنما محاولة لوصف واقع. إنه محاولة لإعطائها صفة
الإلزام، تنزلق بنا إلى منطق (أحادي)، تقييم أحادي، المؤلف بمدى فهمي له،
ضدهما دائماً.
الإسقاطات التاريخية يمكن أن تثير فضول القارئ، أن تنمي معلوماته، ولكنها
لا تُقنن بالضرورة، بل ربما وضعتنا أمام مشاكل جديدة، ومسؤوليات جديدة..
على هذا الأساس، أخص بمناقشة نماذج منها، وردت في تقرير مدرسة دمشق
الأخير: اليهود، الأسلمة والتعريب، الهمجية والتخلف، وسقوط النظريات.
1- اليهود:
وكراهية العالم لهم إلى جانب كما ذكره المؤلف من الفكرنات المسيحية
والإسلامية، وتنافس أرباب المال، وتحالف اليهود مع أعداء ألمانيا، لا بد
من أن أذكِّر بصدد كراهية العالم لليهود، بالنظرية الدينية المتمثلة لديهم
بشعب الله المختار (في الكتاب المقدس) لا باعتبارها نظرية صائبة أو خاطئة،
معتدلة حيوية، أو أحادية، وإنما باعتبارها برنامجاً سياسياً انعكس في
سلوك اليهود، فجعل منهم في نظر الآخرين شعباً سلبياً - قبل أن تخلق
المشكلة الفلسطينية، قبل أن توجد إسرائيل.
إن إدراك هذه السلبية، واتخاذ موقف حيالها لابد من أن يصبحا شاملين إذا لم
يتداركها اليهود وتنتهي بكارثة جديدة عليهم.
لقد ابتدأت الصهيونية بابتلاع فلسطين -بمعونة الاستعمار- شرَّدت سكانها
الأصليين، قتلتهم واحتلت ديارهم، وظن الكثيرون أن مشكلة تاريخية قد حلّت،
وأن الأزمة محلية، ما تلبث أن تنسى. بل إن كثيرون قالوا يومئذ -ولعلي واحد
منهم- لو قبل العرب بقرار التقسيم لانتهى الأمر بدون ضجيج.
ولكن الأحداث تسارعت وتواترت، لتكشف الفهم السطحي الساذج، للقضية
الصهيونية. فهاهم العرب اليوم، يقبلون ما هو أسوأ بألف مرة من قرار
التقسيم. ولا ينتهي الأمر: الخط الأحمر -خط الخطر- الذي ظنوا أنه في أسوأ
الأحوال لا يتعدى حدود فلسطين، ما لبثوا أن وجدوه مصمماً على أنه يطال
أعماق وطنهم الكبير. بات واضحاً لديهم ولدى سواهم أنهم حتى لو عقدوا يومئذ
صلحاً كاملاً، ما كانت الصهيونية العالمية لتقبل بأي نجاح مؤقت، ولا بأية
حدود مجمدة. وما كانت لتعوزها الحجج لخلق الظروف والذرائع، لاستئناف
عدوانها التوسعي المرسوم والذي يفصح عنه نظرياً كتابهم المقدس، وعملياً
تصريح جنرالاتهم (شارون وأمثاله): "حدودنا حيث تصل دباباتنا" على أن العرب
الذين وجدوا أنفسهم يتامى في مواجهة الصهيونية عام 1948، لم يعودا كذلك
اليوم.
ملايين في آسيا وأفريقيا وأوروبا، بدأوا يدركون أن الخط الأحمر يزحف
إليهم، ويهدد بناره أوطانهم، وأن الشعب الأمريكي نفسه، لن يحتاج إلى كثير
من عقود السنين ليتضح له أن الصهيونية تشكل خطراً على طاقاته، وعلى حريته.
إن الرأي العالمي أخذ يشعر أكثر فأكثر، أن إسرائيل ليست شعباً مسكيناً
مشرداً، يبحث عن مأوى آمن، وإنما حركة عدوانية، منظمة تنتظر مسيحها الذي
سيحكم العالم، ويومئذ: يتعلق كل مائة "عفرييم" جبريل يهودي من أجل الخلاص.
لا أحد يشك في أن بين اليهود، مسالمين، شرفاء (حيويين) "انيشتاين، برغسون،
وأمثالهم كثيرون" ولكن أكثرهم مع الأسف وإلى أمد مجهول تلموديين -عتاة-
وعدوانيين.."شارون وشامير وأمثالهم" وهم الذين يصنعون القرار.
2- سلبيات وإيجابيات اليهود:
سلبياتنا:
ثمة فقرات في الُمؤلَّف تدور حول، استغلال الغرب لبعض النزعات السلبية
لدينا، إلى جانب ظواهر من التخلف والهمجية يستخدمها في إعلامه ويتخذ منها
ذريعة لتبرير العدوان علينا.
ولئن كنا على شبه إجماع في أن مجتمعنا العربي يعج بالأخطاء والسلبيات إلا
أنني أجد من المفيد مناقشة بعض النماذج التي وردت عنها.
3- عقلية الأسلمة والتعريب:
تُرى عند من توجد، ومن يمثلها؟ طبعاً بعض المتخلفين وهم يشكلون قلة لا
تكاد تستحق الذكر. ما يحكم به أكثرية شعبنا الساحقة، دفع الأذى: وقف
التشريد والتقتيل. وقف احتلال الأرض والمأوى. أي عربي لا يطالب اليوم على
المستوى الشعبي والرسمي، بأكثر من السلام العادل، وفي الحدود الدنيا من
العدالة - لا بمقياسنا، بل بمقياس الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والدولة
الغربية والشرقية، وكل العالم من أمامهم ولا أقول من ورائهم.
4- غياب الديمقراطية:
لست أعتقد أن هناك عربياً واحداً وعلى امتداد الوطن الكبير لا يشعر بالجوع
إلى الحرية.. ولكن هل هذا هو السبب الرئيس لموقف الغرب منا؟
أتت ظروف سارت فيها بعض أقطارنا على طريق الحرية، فماذا لقينا؟
كان لبنان بلداً ديمقراطياً ومتمدناً.. وكانت سورية في الفترة الممتدة من
54-58، بلداً ديمقراطياً ومتمدناً.. إلى حدود مقبولة، فهل حالت
ديمقراطيتهما دون غزو الأولى، ودون الهجوم على الثانية؟
بل ألم تكن ديمقراطية سورية هي العامل الرئيس في حبك المؤامرات عليها ومن
حولها، لا لشيء إلا لأنها حاولت أن لا تركع أمام هيمنة الاستعمار، وبرامج
استغلاله. ألا نشعر جميعاً بأن كل بادرة تقدم، أو توسيع للحريات في بلادنا
يجلب مزيداً من التهجم والعدوان علينا؟
5- مظاهر التخلف والهمجية:
لا أحد منا يخطر له أن ينكر وجود ظواهر من التخلف لدينا ولكن من حقنا أن
نتساءل هل نحن الوحيدون في هذا المجال؟
أليس في البلدان المتحضرة، أو التي تدعى الحضارة عادات سقيمة ومنفرة؟
أتراها مناظر مريحة؟ براز الكلاب في شوارع باريس، وانتشار نساء ورجال في
غابات بولونيا وشوارع سان دنيس، لبيع الأجساد بالجملة وبالمفرق؟
أتراها مناظر مريحة؟ عصابات المافيا، وانتشار المخدرات في أكثر مراكز
الولايات الأمريكية. وفيما يتعلق بالهمجية، أليس في عاصفة الصحراء، وتقتيل
مئات الألوف من عسكريين ومدنيين أطفالاً ونساءً ورجالاً، أو ردم الأتربة
فوق أجساد الجرحى والقتلى وطمرهم في الخنادق، من الهمجية والتخلف الأخلاقي
ما يفوق بآلاف المرات ختان "لطفلة زنجية"؟.
ثم متى كانت العادات والتقاليد، تملي علينا وحدها موقفنا والآخرين؟
متى كانت طريقة الأكل واللباس، كافية لكره الآخرين؟
الاستعمار يعرف، لا يشددون علينا النكير، قرفاً في سلبياتنا، بل تخوفاً من
إيجابياتنا: موقعنا الجغرافي، عراقتنا الثقافية، وبحار نفطنا.
قد تكون لنا أخطاؤنا، بل لعلها كثيرة جداً، ولكنهم يهاجموننا من زوايا لا
تمت إليها بصلة، ولعل أبرزها انتماؤنا القومي، يعطونه دائماً صبغة
العنصرية والطابع العدواني: "النزعة الأحادية ونفى الآخرين".
إن الانتماء القومي واحد، حبل نجاة، لنا ولجميع الشعوب، فلكل شعب، حقه
المشروع في أن يعيش مزاياه - ومميزات- الخلل والخطر، هو في أن يتحول هذا
الحق إلى احتكار، أو أن يحمل في طياته نوايا العدوان كما لدى "الصهيونية
العالمية".
الحفاظ على الذات وإثباتها، حق وواجب. أما ما يجلب الدمار فهو نفي الآخرين
العنصرية والتعالي، نظرياً وعملياً.
6- إيجابيات اليهود
لسنا ننكر وجود مظاهر إيجابية لدى اليهود، فما من شعب في الدنيا كله
سلبيات. ولكننا لا نجد بداً من مناقشة ما ورد في المؤلف عن فكرة التوحيد
في ماضيهم، والديمقراطية في حاضرهم.
7- مسألة التوحيد:
على الرغم من أن هذه الفكرة ثانوية، إلا أنها تستحق مزيداً من التدقيق، إن
جميع المكتشفات الأثرية، ونصوص الكتاب المقدس، أثبتت بما لا يقبل الشك، أن
الوحدانية كانت قبلهم، وأن ما ورد عنها لديهم فيما يتعلق بعبادة إيل أو
يهوه، لا يعدو تخصصهم بإله معين، وتخصصه بهم، دون أي نفي لوجود إله
الآخرين: بعليم أو إيلوهيم أو مجمع الإله".
إن الوحدانية والتنزيه
لم يتضحا لهمنأو لسواهم، وضوحاً كاملاً ونقياً إلا مع الإسلام.
8- سقوط النظريات:
صحيح أن هذا العصر، ليس عصر الإيديولوجيا "النظرية الشمولية" ليس عصر
التنظير وتعليب العالم والحياة، أو وضعهما بين قوسين، إلا أن الأفكار
بمقدار سلامتها وغناها، تظل ترفد الإنسانية، بقوى لا تنضب في مسيرتها نحو
الحرية والإبداع.
سقوط المسلمين، لا يعني سقوط الإسلام، نداء الوحدانية والعدالة يظل
نبراساً للسائرين. وسقوط القوميين، لا يعني سقوط الانتماء القومي، مبادئ
الوحدة والحرية والاشتراكية التي تتكئ على منجزات العلم، وتمتد جذورها إلى
الواقع العربي والعالمي، تظل مشرقة وموحية للعرب ولسواهم.
انهيار المعسكر الاشتراكي وتشوهات الديمقراطية الغربية، وكارثة الخليج لا
تعني أبداً سقوط الحنين الإنساني إلى الحرية، ولا تعني سقوط الحنين إلى
العدالة ومنع الاستغلال، ولا تعني سقوط الحنين الراسخ في ضمير كل شعب في
وعيه وفي واقعه إلى أن يكون ويظل شعباً واحداً، وأن يكون له الحق في
الدفاع عن وجوده.
منذ فجر التاريخ.. منذ فجر الوعي الإنساني، ظلت وتظل الأشياء النافعة
(النار.. والمحراث) والأفكار السليمة "الحرية والعدالة" تواصل الحياة
صامدة وراسخة ما بقي الإنسان.
منذ ما يقرب من خمسة آلاف عام قال"جلجامش" لصديقه: تعالى نبحث عما نستطيع
أن نقوم به من العظائم، عسى أن تخلد أعمالنا: ما دامت الآلهة لن تتيح لنا
الخلود بأعمارنا.
حتى اليوم – والى أجيال لا تحصى – يصعب أن يسدى أي أب لابنه نصيحة ابلغ
وأجدى.. طبعاً قد يخطر لغبي أن ذبح جاره أو سرقته عمل جليل، ويخطر لتافه
مأجور (سلمان رشدي مثلاً) أن يشتم رجلاً عظيماً..الخ الارتزاق، إلا أن هذه
النماذج المسيخة لم تستطع يوماً ولن تستطع أن تفقد الآراء السديدة وهجها
الإنساني الرفيع.
(جـ) الحيوية العربية
والحيوية الإسلامية
يطرحها رائق.. كحل، ويضع لها مفهوماً محدداً وجازماً.. "أن يكون الإسلام
رابطة ثقافية وطنية، وأن تكون العروبة رابطة لغوية حاكمة للتواصل حتى بين
غير العرب" ثم يتابع قوله: "بلورة الذات الحيوية العربية الإسلامية، تتوقف
على القدرة على مقاومة تحديات الماضي الانحطاطي، والمستقبل المصادر للغير،
ومن دون القدرة على تحقيق استجابة قادرة على احتواء المخاض العالمي
ومعطيات العصر، فإن هذه الذات مهددة بالانقراض".
هذه المبادرة – في رأيي – تنطوي على خطر مبدئي، وعثرات تفصيلية.
من الناحية المبدئية، مجرد طرح الدين كأساس للتعامل الاجتماعي، يشكل خطراً
على كل تحرك سواء أكان قومياً، أو إقليمياً، أو عالمياً. فلئن كان التقليع
(البدء بالتحرك) صعباً في جميع الأحوال، فإن التقليع على أساس ديني، يحمل
سبقاً الخطر الأكبر.. خطر التمزق العميق بين الناس، وبين الشعوب، ذلك أن
كل حوار هنا – شئنا أم أبينا – يحمل سمة الحسم: كافر، مؤمن، مع الله، أو
مع الشيطان!
طرح الحيوية الإسلامية – بصرف النظر عن التعريف أو المحتوى الذي يختاره
لها المؤلف، لا يشذ عن القاعدة.
1-مجرد طرح الدين، سينشب صراع لا ينتهي حول الإمامة، والخلافة، وحول من
يمثل الطريق السوي، ومن هو بين المرتدين، الحوار الموضوعي: الحوار السليم
العاقل، سيكون مفقوداً.
2- أي مفهوم عن الإسلام ينطلق من قطر ما، سيأخذ "بالحق أو بالباطل" طابعاً
قومياً، وستكال له اتهامات التفرد والاستغلال، ذلك أن الشعوب لا تقتصر على
البعد الديني بل لها أبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وأهمها
منها كلها السياسية.
3- المفهوم الذي حدده – رائق – "عن الحيوية الإسلامية" الذي سبق أن أوردنا
نصه قد يكون مسالماً ومصالحاً، ولكن كم من المسلمين العرب وغير العرب يقبل
به؟
وما سنعمل إذاً أطلق إلى جانبه ألف مفهوم ومفهوم مغاير ومناقض، واعتبر كل
واحد من المطلقين أنه هو – ولا أحد سواه – يمثل الإسلام، بل وإرادة الله!
ألا يكون من المرجح – بل ومن المحتم – أن يكون مجرد طرح الدين كأساس
للتعامل، أداة لمزيد من الفرقة، من الانعزال، ومن التحدي و(الأحادية)،
بدلاً من أن يكون سبيلاً إلى المزيد من التعاون والانسجام؟
كم من مستغلي الدين – وهم كثر في هذه المرحلة البائسة في تاريخنا – سيقبل
أن نأخذ من الإسلام ما ينسجم مع المصلحة الحقيقية للمسلمين، أو ينسجم مع
منطق العصر، وأن نجعله نبراساً في سلوكنا السياسي واليومي، تاركين لمن
يشاء أن يتعامل مع ما تبقى على حريته، دون أن يحاول فرضه على الآخرين؟ وهل
سيتحدث أمثال هؤلاء المستغلين عن الإسلام، من خلال منطق معين، أم من خلال
مصالح معينة؟
هل كان "سعيد حوا" وأمثاله يتعاملون مع القرآن ليستهدوا به على ما يجب أن
يعملوا، أم لكي يأخذوا منه ما يبررون به أعمالهم، أو ما ينوون أن يعملوا،
وأهم من كل ذلك ما يساعدهم على أعمالهم.
4- فيم نريد أن نعاود تجربة أثبتت فشلها عشرات القرون.. ألم نقم
إمبراطورية إسلامية شاسعة، ثم تمزقت على أيدي (التتار) ولم يستطيع أن
يحافظ الدين على تماسكها ووحدتها في أي مفهوم من مفاهيمه الحيوية وغير
الحيوية؟. بل ألم يتطاحن في الماضي أصحاب الدين الواحد؟ ألم يتطاحن
المسلمون والبوذيون والمسيحيون، وحتى اليهود على الرغم من أنهم شرذمة
قليلة (حروب يهوذا وإسرائيل).
وحتى في الحاضر القريب ألم تقم الحرب بين العراق وإيران وتستمر عشر سنوات
وأصل خلافها كل طرف الادعاء بأنه يمثل الإسلام، واتهام الطرف الآخر
بالكفر؟
ألا يقدم لنا كل هذا أبلغ دليل على خطأ الاعتماد على البعد الديني وحده من
معايشات الشعوب؟.
5- هل نستطيع أن نتجاهل أن في المسلمين- رسميين وغير رسميين- من يتخذون
الدين سبيلا إلى تحقيق مآرب لا تمت إليه بصلة؟.
6- لئن كانت هذه المحاذير تنصرف على المسلمين كافة، فإنها بالنسبة للعرب
تصبح أشد خطراً وتعقيداً. ذلك أن النبي بينهم، والقرآن قرآنهم، لغته لغتهم
وكذلك لغة أهل الجنة (حديث).
سيكون من اليسير اتهامهم بالعنصرية، بالتعصب، بالأنانية والاستغلال،
"وبالأحادية"، وخاصة إذا اعتبروا أو اقترحوا أن تكون "الحيوية الإسلامية"
كما يفهمونه أو كما يفهمها المواطن العربي- رائق- هي التي ستكون أساساً
للتعامل بين المسلمين، مهما يكن المفهوم رائعاً ونقياً في جميع معايير
النقد، بل كلما ازداد روعة ونقاء، أمعن الآخرون في نفيه وتهميشه؟ لا لشيء
إلا لأنه لا يصدر عنهم.
7- إذا كنا نحن العرب عاجزين عن إقناع شعبنا بالحيوية الإسلامية، فكيف
نطمح إلى إقناع " جميع المسلمين" بها؟ إذا كنا عاجزين عن تبني مفهوم موحد
للإسلام في دارنا، فكيف نطمح إلى جذب بقية الآخرين.. كل الآخرين .. إلى
مواقعنا؟.
ألا يجدر بنا قبل النظر في ميثاق إسلامي شامل، أن ننظر أولا في ميثاق عربي
أو ميثاق قطري على الأقل؟
ألا يجد المؤلف معي أن أية أرض عربية يستقر فيها وضع يسوده منطق الوحدة
والحرية والاشتراكية، ستكون جديرة باستقطاب الشعب العربي (وكادت الجمهورية
العربية المتحدة تحقق ذلك) وتصبح نبراساً للآخرين، وعندئذ تصبح بقية
الروابط، الثقافية، والدينية، والتاريخية، وغيرها، عوامل داعمة للتفاهم
بيننا وبين بقية الشعوب وخاصة الإسلامية!؟
أليس المعقول أن نبدأ بأنفسنا، فنمضي إلى أهداف قومية وإنسانية عادلة
ومسالمة، وبمقدار تقدمنا وقوتنا، نساعد الآخرين؟
رائق - في تعريضه للحيوية العربية، يقصر الرابطة التي تشد العرب إلى بعضهم
على رابطة اللغة، وهنا أود أن أطرح سؤالا:
عندما تكون بين أبناء الشعب، مجموعة من قنوات الاتصال، ألا تكون مهمة
الطلائع تقويتها، وإضافة قنوات جديدة إليها؟ بل أليس هذا ما تفعله اليوم
أكثر الشعوب الواعية؟.
شعبنا العربي اليوم ممزق رغم جميع الروابط التاريخية والقومية والدينية،
وأهم منها جميعا رابطة المصير المشترك والإرادة المشتركة، (وإن كانت هذه
لدى الشعب وليس لدى الحكام)، وتدخل المستعمرين في مقاديرنا بدافع طمعهم
بثرواتنا ما زال يحافظ على هذا التمزق، وبقيام إسرائيل، أصبح وجودنا ذاته
مهدداً.. ألا يلغي هذا العامل الحاسم (المحافظة على البقاء) لكي تتبنى
الرد البديهي: الكفاح من أجل مزيد من التواصل، والمزيد من الانسجام بين
أبناء شعبنا مؤمنين بأن وحدتنا هي الدرب الوحيد الذي يمكن أن يعطينا بعض
الأمل بالنصر، فكيف إذا بترنا أكثر فأكثر الصلات التي ما زالت تشدنا بعضنا
إلى بعض؟!
-
المبادرة الحيوية:
يكاد رائق هنا، يضع برنامجا كاملا لبناء دولة عقلانية معاصرة - من وجهة
نظره- وذلك بعد سلسلة من التساؤلات.
ولئن كنت لا أرى الدخول في مناقشة البرنامج، إذ أن ذلك يحتاج إلى دراسات
وأخصائيين، ونهضة عربية جامعة شاملة، إلا أنني أجد من المفيد الإسهام في
الرد على بعض التساؤلات؟
( أ ) ألمانيا واليابان، نهضتا بعد أن وصلتا في سقوطهما إلى الحضيض..
نهضتا بسرعة هائلة.. والى مستويات عليا تجاوزت كل توقع.. فلماذا لا ننهض
نحن؟
لا بد من التنبه هنا إلى أن ألمانيا واليابان.. لم يكن لديهما نفط، وليس
لدى الصهيونية العالمية أي خطة لتشريد شعبهما، واحتلال أراضيهما.. كان
يكفيهما أن تفرقتا سياسياً، وأن تسمحا ببعض الابتزاز للرأسمال الأمريكي،
كي يمضيا في استعادة وطنهما وحضارتهما، معتمدين على تراثهما ومنجزاتهما في
الماضي، وعلى الإنسان الدؤوب الجاد الواعي في الحاضر أن يحاول.. ولن يمضي
وقت طويل ليتخلص هذان الشعبان من القسم الكبير من التبعية.. معتمدين على
الثروة الكبرى للإنسان.. نحن العرب.. قدرنا مختلف عنهما اختلافاً نوعياً،
الاستعمار لا يكتفي بإذعاننا السياسي له، ولا بخضوعنا لابتزازه
الاقتصادي.. إنه يأبى علينا أي تكييف يجعلنا في المستقبل المنظور، قادرين
على حماية ثروتنا الداخلية أو استغلال حقنا منها استغلالاً مخططاً، يجعلها
تنصب للزراعة والتصنيع، والاستقلال السياسي والاقتصادي.. تأبى علينا أي
تطور نحو تقوية وجودنا، بحيث نرفض إسرائيل (لا عند حدودنا المشروعة
والتاريخية) وإنما عند حدود القرارات الدولية على الأقل.. قدرنا يبقينا
أمام معركة مزدوجة: صراع خاص ضد قوى خارجية تعرقل أي تطور إيجابي لنا،
وصراع ضد أوضاع داخلية تحتاج إلى كفاح مديد للتخلص من سلبياتها وبؤسها.
(ب) هل نحن على عتبة مراجعة جذرية شاملة؟
جواب رائق.. نعم، دون شك.
شخصياً أعتقد أن في جوابه حسماً يحتاج للتدقيق.
فأما أننا في حاجة للمراجعة فنعم، وأن علينا أن نناضل لإعادة النظر في
أوضاعنا، فنعم.
ولكن: هل نقف على عتبة هذه المراجعة؟ وهل سنستطيع تخطيها والمضي قدما إلى
البناء المطلوب؟. فالجواب: ربما! مسيرة كهذه تتوقف على مدى استعدادنا لدفع
الثمن.
من ناحية الحكام، الشعور بضرورة التغيير مفقود.. فكلهم - في نظر أنفسهم-
يسلكون سلوكاً مثالياً، وعلى الرغم من أنهم – ولو تشابهوا إلى حد كبير، في
خطواتهم العامة، يختلفون في التفاصيل، إلا أن أحداً منهم غير مستعد لأن
يجد أي خلل في حدوده. شعورهم المشترك:
ما داموا حاكمين .. فكل شيء مثالي.
من ناحية الشعب، لم يبخل يوما بالعطاء، وهو مستعد لمواصلة التضحيات،
فالمصير مصيره، والمأساة مأساته.. وهنا يطالعنا التساؤل الذي يطرحه رائق
بعد كل محطة من محطات الواقع العربي المريض، الذي يتقن وضعه لولا إعطاؤه
أهمية أكثر من اللازم للنظريات: أما من أمل، أما من سبيل؟ وكيف؟ وتأتينا
إجابته بالإيجاب على الشق الأول، فنقره عليه.
ذلك أن أبواب الأمل مفتوحة أبدا أمام الشعوب، وأي تحرك إنساني لا يمكن أن
يكون إلا على أساس هذا الأمل.
على أنه لا يبخل بالإجابة على الشق الثاني أيضاً بالإيجاب فيفرض علينا
وقفة متروية:
يقول رائق في عرضه لطريق الخلاص:
"بناء الذات، بناء حيوياً، أي قادراً على مواجهة التحديات البيئية
والسكانية والاقتصادية والتقنية والعسكرية والدفاعية..الخ".
إن أي برنامج يقترحه أي مفكر أو مناضل لا يشبع تساؤلنا: كيف؟ جميع
المقترحات النظرية، لا تلغي هذا التساؤل بل تزيده إلحاحاً.
فكيف نبني الذات، وكيف التغلب على العثرات التي تواجهنا في كل خطوة من
خطوات البناء؟
الجواب الوحيد والسليم - في اعتقادي- هو تعبئة الشعب في المعركة.. وقيادته
حتى النصر، وباختصار: بناء حزب.
ولكن رائق يصر على أن تبقى تحركاته بعيدة عن الحزبية، فهو يرى أن يمضي في
بناء المعركة الحيوية والمنطق الحيوي، من دون قهر ومن دون "عقلية حزبية"
فيفرض علينا بذلك أن نتساءل: كيف يمكن أن نبني أية خطوة جديدة (حيوية أو
غير حيوية) دون مجموعة من المواطنين، يؤمنون بمبادئ واحدة يعتبرونها
الأسمى، ويصممون على النضال الدؤوب لتحقيقها، ويؤمنون بأسلوب واحد للتعامل
فيما بينهم، يعتبرونه الأجدى، ويلتزمون به حتى نهاية الشوط.. وهل هذا أي
شيء آخر إلا: بناء حزب؟!
في رأيي أن الحزب ضرورة لكل تحرك.. والعلة ليست في "الحزبية" ولا يمكن أن
تكون فيها.. وإنما هي في الأهداف وفي السلوك.
إذا كان الحزب يؤمن بالحرية فإنه لن يرفض الحوار، لن يرفض الديمقراطية،
وإذا كان يؤمن بالإنسانية فلن يرفض حق الحرية لجميع الشعوب. أما إذا كان
يسعى إلى أهداف هزيلة، أنانية، فسوف يستبيح جميع الوسائل حتى أقذرها ولا
بد أن يلقى في نهاية المطاف مصيره العادل.
حث على الإضراب، إضراب للتخلف، وإضراب للتقدم، إضراب "للحيوية" وإضراب
"للقصور".
كذلك توجد أساليب مع الحرية، وأساليب ضد الحرية، إلا أن أي تلاق لمواطنين
على موقف يعتبرونه صائبا – فلنقل إرضاءاً للرائق- "حيوياً" يستتبع في
الواقع تعاونهم على السير باتجاهه، وتحقيق مضامينه: يستتبع إنشاء حزب: هذا
هو الجواب الوحيد على جميع التساؤلات التي أوردها المؤلف أو يمكن أن
يبررها أي منا، ما السبيل إلى أن نحدد قضايا الإنسان العادلة، وقضايا
العرب والمسلمين؟ ما السبيل إلى أن نتفاعل فيما بيننا على قضية الشعوب على
أساس العدالة والمساواة.. كلها لها جواب واحد:
الكفاح.. وأرقى سبله الحزبية.. أما عندما ينشأ أي خلاف فكري أو واقعي، ما
السبيل إلى أن تكون أحكامنا ومواقفنا أقرب إلى السلامة؟.. ليس إلا أحد
طريقتين: العنف أو الحوار الحر، حكمة الفرد، أو حكمة الأكثرية، الطغيان أو
الديمقراطية، الأحادية، أو الاعتراف بالتنوع سبيلاً إلى الوحدة.. وبالحوار
سبيلاً إلى الحقيقة في الفكر وسبيلاً إلى العدالة والسلام في الواقع.. ألا
يعني هذا تشكيل الأحزاب.
لو فرضنا أن أكثرية منا أصبحوا يعرفون منطق العصر ومنطق الواقع، ويريدون
أن يرقوا بشعبهم إلى الأمام، ألا ننصب أمامهم، السؤال الملح كيف؟ إن
المنطق الحيوي لن يكون هذا العامل الحاكم، وإنما الموقف الحيوي، الإرادة
الحيوية، التصميم على مواصلة النضال في جميع الأحوال وفي جميع الشروط، أن
لا نستسلم.. المنطق الحيوي أو اللاحيوي لا يؤدي وحده إلى الازدهار أو إلى
العقم، ولكن الازدهار والعقم هما اللذان يتأثران غالباً بمنطق ينسجم مع
واقعهما.
الصيغة الأكثر صواباً في مسيرة التاريخ هي التفاعل بين الوعي والواقع..
وإنه لمن العسير، إن لم يكن من المحال أن ننتظر خيراً من جائعين، أو
منطقاً سليماً من جهلة.. مغامرة أن نتحدث عن التاريخ، وكأنه نتيجة منطق
هنا أو منطق هناك. ومغامرة أن نصنف الأشياء.. حيوية، شكلية هنا، وجوهرية
وعنصرية هناك.. وأن نكتفي بالقول: أنها تبقى على نفس المستوى من حيث، أن
لكل منها شروط تشكل: شروط كينونة.
ماذا لو خطر لأحد ممثلي الدين أن يفسر الإسلام بأنه ينطوي على الدعوة إلى
بناء الهيكل وعودة اليهود إلى القدس؟
ماذا لو خطر للصهيونية العالمية، أن ترسم حدود إسرائيل بحسب خارطة توراتها
المزعومة؟ ماذا لو خطر لأفعى أن تلدغ طفلنا؟
هل نقول إن مجموعة شروط كينونتهم تقتضي منا فهم سلوكهم، تفسير منطقهم
المحدود أو العدواني.. هل نحدد موقفنا من الأشياء على أساس أنها أقدار
مفروضة، معطيات محدودة؟
ألا تهزنا إرادة الحياة إلى أن ندخل كفاحاً صامداً ضد المعطيات والشروط
التي تنفي وجودنا، وأن نضع المعطيات والشروط التي تلائم نمونا، وتطورنا
نحو الأفضل؟ أليس علينا في كل تحليل وبعد كل تحليل أن نبحث عن دورنا
الإنساني حتى بين " فكي القدر"؟
أليس علينا أن نعترف بأن الحزبية المسؤولة هي السبيل إلى تحقيق المبادئ؟
على أن كل ما تقدم ينبغي أن نعود إلى الطريقة التي تبنى فيها المؤلف
الأهداف، يقول: المنطق الحيوي، منطق الشكل هو منطق الحياة، منطق الحرية،
منطق التعددية على قاعدة اشتراكية، الضمانات الحيوية الإسلامية،
وديمقراطية شاملة، ديمقراطية شمولية، بمعنى شمولها الإنساني، إلا بعد
تحقيق مدى من التزام مصالح البشرية جمعاء، من ينظر إلى هذا النص يرى أن
رائق ينتهي إلى قرار بالتعددية (الحرية الديمقراطية).. وبالعدالة
الاجتماعية (الاشتراكية) وعلى الرغم من بعض الوهن الطارئ بالنسبة للانتماء
القومي.. عندما كان ينطلق من منطلق عربي "الحيوية العربية".. ما أضافه في
مؤلفه الأخير على المستوى النظري هو ربط الأهداف بنظرة محددة.. الحيوي
للكون، الشكل. وعلى المستوى الواقعي تجربة الحيوية العربية بالحيوية
الإسلامية وتتويج كل ذلك باعتقاده بأن العالم الذي نعيش فيه يمضي قدما نحو
موقف حيوي نحو سيادة الشكل.. ويعني هنا سياسة التعايش السلمي على أساس
العدالة والمساواة.. قد تكون نظرية رائق في الحيوية من المعنى بحيث تستحق
أن تناقش على المستوى الفكري في وطنه أو في خارج الوطن.. أما واقعياً فإن
المناداة بالحرية الاشتراكية، تظل أوضح في أسماع الناس وأقرب إلى إفهامهم
عندما نتوجه بها مباشرة إليهم دون أن نربطها بنظرية أكثريتهم الساحقة..
عاجزة عن فهمها. فلماذا نريد أن نمسك بالسر في أذننا اليمنى؟! الاستنارة
بالنظريات قد تيسر علينا الانطلاق إلا أن الالتزام بها أو محاولة استنتاج
مواقفنا من مضامينها قد يفلت من بين أيدينا وأفكارنا خاصة إذا كانت هذه
المضامين شمولية ومطلقة.
أن يكون للناس حقهم في الفهم والتعبير والعمل وأن يكون للأكثرية.. حق صنع
القرار وأن تمضي معها الأقلية برضاها إيمانا بأن التعددية (والحوار
السلمي) هي أن تسمح بوصول الإنجازات إلى الأوج والخسائر إلى الحدود
الدنيا.. لا نحتاج إلى استعراض فكري لا ينتهي.. إن معناها بكل اختصار:
ضمان الحرية والديمقراطية.. هذا العلاج الأولي والرئيسي لنا، للعالم
الثالث وللإنسانية بأسرها بما في ذلك أمريكا التي تدعي أنها حصن
الديمقراطية والتي يصدر منها سياسي أمريكي قضى عشر سنوات في مجلس الشيوخ
–كتابا تربو صفحاته على الأربعمائة عنوان- بكل بساطة- من يجرؤ على الكلام
والمقصود طبعا في داخل أمريكا لا في خارجها.. أما ربط الحيوية العربية
بالحيوية الإسلامية.. وهذا الفارق الوحيد بين رائق في السبعينات
والثمانينات. وبين رائق في أوائل التسعينات. فلست أستطيع مجاراته فيه.. ما
أرجح وقوعه وأخشاه بعد أن يؤدي ذلك إلى مجرد التسطح الزمني من أخطار
وتعقيدات يصعب حصرها وأن يضيع علينا التفكك القومي كلاما تمليه معطيات
الواقع من ضرورة التضامن القومي والحفاظ على أكثر ما يمكن مقوماته
وتنميتها كيلا تتردى أكثر فأكثر في مهاوي الشتات والضياع. وأخيراً.. يعتمد
رائق كثيراً على سيادة منطق الشكل.. منطق التعايش السلمي على أساس العدالة
والمساواة. قد تكون لهذا المنطق بوادره هنا وهناك، إلا أنه غير موجود بعد
ما يكفي لنفوذه في الواقع كي نستطيع أن نضع في حسابنا لا بد من كفاح شاق
وطويل.
منطق الإيمان بالحرية.. بدأ بصيغة الإنسان منذ بداية الوعي ولكنه لا
يستطيع استكماله بشكل كاف وناجح إلا بالدأب والتضحيات، بالشجاعة
والإقدام.. بالتعبئة والتنظيم ومعها كل تنامي الوعي والحب في كل مكان.
عندما زارني أريك رولو (صحفي فرنسي، أديب وسياسي) في السبعينات، كان من
جملة حوارنا أنني قلت له:
- أنا أتعهد أن أجمع لك تواقيع الأكثرية الساحقة من المثقفين العرب على
بيان، يقبلون فيه - بل يطالبون بالعيش المشترك والمساواة مع جميع
الأقليات في البلاد العربية وخاصة اليهود والأكراد.. ويصرون أن تكون
للجميع الحقوق والواجبات نفسها، فمن يضمن لنا أن تقبل الصهيونية العالمية
بذلك.. أظهر الرضى عن العرض ولكنه سكت عن الجانب الآخر.
إذا لم توفر القوى اللازمة للكفاح من أجل وجودنا، فكل عرض إنساني من جهتنا
– نظرياً أو واقعياً- سيبتدي تخلياً جديداً عن حقوقنا لا يجوز لنا أبدا
أن ننتظر تطور الآخرين.. أن ننتظر تحول الذئب إلى كائن مسالم يأبى أن
يفترس أطفالنا.
السؤال الأبدي يظل يراوح أمامنا دون أن يتزحزح..
ما العمل..؟؟
إنها الموقف الإيجابي الراسخ والثابت.. بين كل نشاطات رائق.
أن يحق لنا مناقشة كل حادث، كل فكرة، وكل إنسان.
أن لا تكون ثمة نقاط معتمة "محررة" أمام بصائرنا مكتوب عليها العبء في
الظلام (كاللطخة الصفراء في شبكية العين).
أن ننظر إلى الأشياء ضمن سيالة التطور والتغيير.. لا من خلال تحددها
وجمودها الظاهر والعابرين (المرجلين).
أن يكون لنا الحق (حق تحديد الحسن والقبيح) وحق العمل على زيادة الحسن
ومقاومة القبيح.
أن تحل النسبية محل المطلق.. وأن نبحث خلال الكون والمجتمع عن دورنا
الإنساني المتجدد أبداً.
إن تقديري الكامل لهذا الجزء ومبادرته: الإسهام في خلق مدرسة نقدية متحررة
يجعلني أتمنى أن لا تتحدد بانتمائها لأي قطر وأن لا ترتبط بأية نظرية.
فمثل هذه الفعالية الفكرية.. تحتاج إليها كل النظريات وكل حكايا التاريخ
والواقع صبوات المستقبل ويجب أن يخضع لها كل شيء وكل إنسان.
قد تنتشر مدرسة كهذه ودون الحاجة إلى حزب.. ما دامت في حيز التعبير عن
الرأي.. أما عندما يطمح أي من أصحابها إلى النفوذ ما يراه صحيحاً
ومجيداً.. في نسيج الواقع، فسوف تصبح إلى السبيل الحزب أمراً لا مناص منه.
باشرت به شخصياً إزاء مجمل فعاليات رائق أنه حتى الآن – لم يقل كل شيء
فيما يتعلق بتنفيذ آرائه والى أن يقول كل شيء يظل للآخرين حقهم في إبداء
الرأي، سلباً أو إيجاباً أو تعديلاً.. كتبه المتعددة المنصبة على البحث
النظري، محطات إيجابية على طريق الفكر العربي الإسلامي. إسقاطات نظريته
"النظرية الحيوية" على التاريخ ماضياً وحاضراً تثير جدلاً.. وتتطلب
مراجعات إلا أنها تبقى مع ذلك.. خطوة إيجابية.. أما من حيث مبادرته
"الحيوية" فعلى الرغم من تبنيه لمفهوم محدد عن الحيوية العربية والحيوية
الإسلامية. فإن المسألة الرئيسية والغامضة.. ما العمل؟..
بعد كل هذا.. وقبله.. يبقى رائق بنشاطه ودأبه واحداً من النماذج التي
يحتاج شعبنا إلى وجودها وتناميها في مسيرته الصعبة نحو الأغزر والأجدى
لتحقيق:
إرادة الحياة.. الحرية
إرادة الحياة.. الحرية
إرادة الحياة.. الحرية
* * *
* أمضينا أمسيات ولقاءات عديدة، على مر السنوات الثلاثين الأخيرة في
مناقشة هذه الآراء وغيرها.. وحسبي، هنا، أن أذكر القارئ بأن مقولة الشكل،
لا تعني التساوي والضبابية، بل تعني ضرورة فهم الاختلاف، من خلال اختلاف
طرائق التشكل. كما أن القول، بأن استخدام مداخل إسلامية للعمل السياسي
يعني فتح الباب أمام الادعاء والتناحر السياسي، على أساس مذهبي وطائفي!!
وبالتالي، لن يكون له ضابط. الإجابة عن ذلك. هو أن التناحر والاستخدام
المنافق للشعارات، يمكن أن يتم بأي اسم، وبأية ذريعة.. سواء أكان باسم
العروبة، أو الشعب أو الوطن، بل وحتى، باسم حقوق الإنسان!!
والأستاذ وهيب، واحد من قادة التيار القومي، ويعلم قبل غيره، أن صديقه
أكرم الحوراني، النائب الأول لجمال عبد الناصر، والمساهم الأول في الإمامة
الحيوية لعبد الناصر، ما لبث أن اختلف مع تلك الإمامة، نفسها، وأسباب
الخلاف لم تكن دينية، ولا طائفية، ولا إقليمية!! والكل يعلم، أن ذلك
الخلاف كان على أسلوب عبد الناصر في قيادة الوحدة "الجمهورية العربية
المتحدة"، ونفذه بالاستقالة والانسحاب من الوحدة. الأمر الذي ساهم في
تدمير الوحدة!! ومثل ذلك الاختلاف قد يتم، وأصحابه يعتقدون أنهم صادقين في
حيويتهم.. وهنا المصيبة أعظم!! ولذلك، فإن من يريد الاختلاف، وإيجاد ذرائع
للتفرقة والحروب الأهلية، يمكن أن يجدها تحت أي اسم، فالأذى لا يحتاج إلى
ذريعة دينية، بل إلى مصلحة!! ونحن بلجوئنا إلى الحيوية الإسلامية فإننا لا
نفتعل رحلة وهمية إلى المريخ؟! بل نتصالح مع أنفسنا، ونعيد اكتشاف فقه
المصالح، الذي كان أساس الثورة الإسلامية.. وأساس كل ثورة حيوية في العالم
سابقاً ولاحقاً..
أما القول، بأن المنطق الحيوي، والمبادرة الحيوية، تتطلب حزباً وليس مجرد
مدرسة. فهو قول صحيح، ولكن ذلك، يجب أن يتم بعد تحول الحيوية الإسلامية
إلى ميثاق مقبول للأغلبية!! فعلى سبيل المثال، يعد الدستور الفرنسي أو
الأمريكي أو الإسرائيلي أو دستور الاتحاد الأوروبي..الخ. ميثاقاً ملزماً
لكل مجتمعاتها، بعد أن قبلته الأغلبية وساندته، ليكون الميثاق الدستوري،
والمنظم المرجعي لاختلافها، في التعبير عن مصالح الأمة والدولة، التي
تنتمي إليها. فهي قد تختلف من ولاية إلى أخرى، ومن حزب إلى آخر، في تصريف
المصالح، والتجمع السياسي، كأحزاب وجمعيات..الخ، ولكنها، في اختلافها
تحتكم – جميعا – إلى الدستور، الذي وافقت، عليه بوصفه ميثاقا ملزما.
وفي ذلك الاختلاف، فإنها تمتحن صلاحية الميثاق، وتغنيه، وتطوره، بما
يتلائم مع المعطيات المتغيرة. وما يلزمنا- في ديار العرب والمسلمين – هو
الاتفاق على ميثاق يقوم على فقه المصالح الحيوية التوحيدية، التي يمكن أن
يتفق عليها المسلمون وغير المسلمين!! المتدينون، والقوميون، وغير
المتدينين وغير القوميين..الخ.. وتصلح لأن تكون أساسا للمواطنة حتى لغير
أبناء ديار العرب والمسلمين، اللذين يرغبون في الهجرة والمواطنة في هذه
الديار، وفق الميثاق الحيوي.. ويمكن لهم أيضا المشاركة السياسية والوصول
إلى أعلى المناصب الرسمية!! ولذلك، بعد بلورة وإقرار الميثاق الحيوي. فإن
ضرورة قيام أحزاب حيوية، وليس حزباً واحداً، يصبح أمراً مطلوباً وضرورياً،
لإيجاد الاجتهادات السياسية الحيوية، والبرامج القابلة للتحقق، ولكن قبل
ذلك، فإن إيجاد حزب واحد يختص بالمنطق الحيوي، يعني تحويل المنطق الحيوي
من منطق شامل، إلى منطق حزبي أحادي، ويقزم المنطق الحيوي إلى مجرد رأي
عابر.. بينما نحن نعتقد أنه شامل، ومقنع، وبالتالي ملزم منطقياً لكل من
يبحث عن مصالح حيوية أشمل. في ديار العرب والمسلمين وقابل للفهم
والاعتماد، كأساس للحوار مع الآخرين.
والأستاذ وهيب، يعرف أن الرئيس الأسد عرض علي في لقائي معه في 19/1/1989
إدخال الحيويين في الجبهة الوطنية والتقدمية، ليأخذوا دورهم إلى جانب
الأحزاب الأخرى، المشاركة في القيادة والوزارات، فشكرته موضحا أن المطلوب
بشكل حيوي، وملح هو تعريض الهامش الديمقراطي، والسماح بوجود المعارضة
الإيجابية، وذلك لأن مشكلاتنا المرتبطة بالموروث الانحطاطي، والعجز عن
الالتحاق بالعصر، يتطلب مناخا للتفاعل الحر، لكي نصل إلى المعالجة الشاملة
والمصالحة الحقيقية، مع مختلف أشكال موروثنا الفئوي والمساهمة الفعالة في
تحديات العصر .
وقد أبدى الرئيس الأسد تقديره للفكرة، ولكنه أضاف سائلا: هل تعتقد أني إذا
تركت لك الشارع فسوف تستقطبه كله؟. وقد أجبته بالنفي موضحا أنه ليس من
المطلوب- أساسا- أن أستقطب الشارع كله، فأنا أبحث عن تحريك الشارع،
ليتفاعل مع المنطق الحيوي، سلباً وإيجاباً، لبلورة وتعميق وتأصيل الحيوية،
في واقعنا المعيش، وبالتالي نخدم أمتنا خدمة لا يمكن لها أن تباشر من
المستوى الرسمي، ولا تنفع فيها الأوامر الإدارية، بل يجب أن يتم ذلك من
مواقع شعبية غير ملزمة وقابلة للتطوير فيما بعد إلى ما يسمح بالتعددية على
أرضية حيوية مقبولة.
ولربما أن الانهيارات السريعة جدا والمفاجئة في العالم الاشتراكي،
بالإضافة إلى تدمير العراق جعل الرئيس الأسد، يتمهل في اتخاذ قرارات بهذا
المستوى، من التحول السياسي مع أنه في أكثر من تصريح علني عبر عن وعيه
بضرورة تطوير صيغة الجبهة الوطنية.
وكل ما نأمله أن يوفقه الله في صموده وإمامته الحيوية لتحقيق إرادة
الحياة: الحرية.
* * *
خاتمة
·
القوى الحيوية، هي القوى التي ترتفع بوعيها السياسي والاجتماعي والنظري
إلى مستوى المنطق الموحد للشكل الحيوي.. ويمكن لهذه القوى أن تتجمع في صيغ
كثيرة ومتعددة، ولكنها في تجمعها وتعددها تحتاج إلى أرضية ميثاق حيوي
مشترك.. ونحن هنا نقدم الخطوط العريضة لهذا " الميثاق الحيوي " وحينما
يمكن مفاعلة هذا الميثاق ليصبح رأيا عاما، وبالتالي واقعا ملزما .. عندئذ،
فإن القوى الأقدر على إيجاد " الشكل الحيوي " المناسب لنقلنا إلى مستوى "
العولمة الحيوية " هي التي ستفوز بثقة الجماهير.. " لتحقيق إرادة الحياة
.. الحرية " ..
****
|