مدير المركز الحيوي                                  
للحوار ومكافحة التمييز                         

غسان يوسف أستاذ  الحوار (Talkshow)

في الجامعة اللبنانية الدولية LIU

للاتصال:

 contact@damascusschool.com
                                     لماذا الحوار؟؟

لا أزعم أنني محاور جيد , و لا أعرف مدى قدرتي على الحوار , ولكنني حقيقة أرى أن الحوار هو اللغة الوحيدة التي ستوصلنا إلى التفاهم مع الآخرين , والتفاهم هو السبيل الوحيد لأن نعيش بسلام في هذا العالم المليء بالحروب والمتناقضات , المليء بأعداء الإنسانية وأعداء الحرية , فإذا كان الله سبحانه وتعالى هيأ لكل واحد منا رزقه مهما كان دينه أو لونه أو جنسه , وحتى الحيوانات والحشرات يرزقها , فلماذا نجد البعض ممن يدعون الإيمان يحاربون الناس ويكفرونهم ويقتلونهم ويدعون أنهم يجاهدون في سبيل نصرة الحق والدين هل الله حقا يريد من هؤلاء قتل الآخرين ؟ أليس بقادر سبحانه وتعالى على هلاكهم جميعا قبل رفة جفن ؟ هل خلقنا الله لنتقاتل ونتحارب  ؟

هل فتح كل منا قلب الآخر وعرف مدى إيمانه ؟ .

والسؤال هل هذه الأمور من مسؤوليتنا أم من مسؤولية الله سبحانه وتعالى ؟

إذا كنت أريد أن أفعل خيرا فمن واجبي أن أدعو إلى المعروف وأنهي عن المنكر وبكلام جميل ألم يقل الله سبحانه وتعالى " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى وعمل صالحا وقال إني من المسلمين "  هل قال عز وعلا اقتلوا... اضربوا.... افسدوا .... لا بل قال من قتل نفسا بغير حق كأنما قتل الناس جميعا فبأي حق نوكل أنفسنا بالقتل وباسم الله وحاشى له أن يأمرنا بقتل الآخرين بغير حق .

إذا من هنا ستكون انطلاقتنا في المركز الحيوي للحوار ومكافحة التمييز بين كل البشر نحن الآن لا نعيش لوحدنا في جزيرة معزولة , ولسنا الأقوى في هذا العالم , وحتى عندما كنا في عز قوتنا , لم نقتل أحدا بغير حق , ولم ننتهك الحرمات , ولم ندنس معابد الآخرين , و نحتقر دينهم ألم يقل الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة: ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون‏ و النصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

وقريب منها الآية الثانية وهي قوله تعالى في سورة البقرة: ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

وأيضا في سورة الحج: ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين ‏والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شي‏ء شهيد).

وإذا سألنا أحدهم وهل ستصلون إلى جدوى ؟ سنقول له نعم لأننا نؤمن بالله أولا وأن لغة الحوار هي لغة الحضارة لغة السلم لغة العقل والحكمة ثانيا , هل سمعتم يوما أن حكيما استخدم كفه ضد الآخرين ؟ بل إن كل ما يستخدمه هو كلام جميل مدعم بالأمثال والحكم قد يستخدم فيها آيات قرآنية أو أسفار من الإنجيل والتوراة ( حسب دينه ) وقد يستخدم أقوال الحكماء مستخدما أسلوبه في الإقناع فإذا لم يفلح قال سلمت أمري لرب العالمين , وقصص الأنبياء عبرة لنا ولغيرنا , ولذا سنجد أن الحوار هو الذي يفتح لنا باب التواصل والتفاعل مع الآخرين، وهو الذي يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية , وهو الذي يسهل تبادل الخبرات والمعلومات بين الناس , وهو الذي سيجعل بيننا وبين الآخرين لغة واحدة اسمها الحوار مهما اختلفت الأديان والأعراق والأوطان .

قال تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم " لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " و هو ما يدل على أهمية الحوار .

وقوله تعالى وجادلهم بالتي هي أحسن

وعلى مدى التاريخ كان الحوار هو سيد الحكمة منذ نشوء الكون فالطبيعة الإنسانية ميالة بطبعها وفطرتها إلى الحوار أو الجدال كما يطلق عليه القرآن الكريم في وصفه للإنسان {وَكَانَ الإنْسَانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا}،

ونحن هنا في المركز الحيوي للحوار ومكافحة التمييز  اخترنا الحوار لأننا نريد أن نسمع الآخرين وأن نمد يدنا لكل الناس انطلاقا من القاعدة التي تقول :

" قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب " 

و المحاور  الناجح هو الذي يتمتع بصفة الإصغاء والإنصات إلى الطرف المقابل لأن الإصغاء  من أهم شروط نجاح الحوار مع الآخرين وكما هو معلوم فالحوار الجيد يلزمه مستمع جيد .

  غــايتنا من المركز :

غايتنا  ليس فقط إقناع الآخرين بوجهة نظرنا وإنما احترام آراء الآخرين والتحدث معهم بأسلوب حضاري معتمدين على الله وعلى رسوله الكريم ومتخذين من ( نظرية الشكل الحيوي والجوهر العنصري ) للدكتور رائق النقري مؤسس مدرسة دمشق للمنطق الحيوي أسلوبا للخروج من قوقعة التعصب ( الجوهر العنصري ) إلى مفهوم ( الشكل الحيوي )  الذي يعني فيما يعني المحبة والإنسانية والمساواة وعملا بقول الرسول صلى عليه وسلم " الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى " .

والأفضلية في هذا المركز لمن يسارع في خدمة بلده ووطنه العربي والإسلامي مبتعدا عن الطائفية البغيضة والعنصرية المجحفة بحق أصحابها أولا وأخيرا .

ومن يقرأ القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه وتعالى خاطب الناس كافة وأرسل رسلا كثرا " وما من أمة إلا خلا فيها نذير " .

وقوله تعالى : المؤمن كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله .

والله سبحانه وتعالى خلق الناس كلهم من طين وآدم عليه السلام هو أبو البشر وإبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء وقد علمنا جل وعلا الحوار مع الآخرين فقد حاور بعظمته سبحانه وتعالى إبليس { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العَالِينَ}  ورد  إبليس على الله سبحانه وتعالى : { قَالَ أنظرني إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ )

وقال الشيطان لله تبارك وتعالى قاصدا آدم عليه السلام : { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً} (الإسراء 62)
وهنا العبرة فإن الله سبحانه وتعالى بقدرته وقوته لم يمحق إبليس ولم يهلكه وإنما أمهله إلى يوم الحساب وهو القادر على كل شيء فسبحان الله العظيم .

ولقد استخدم الأنبياء عليهم السلام الحوار مع أقوامهم، ومثاله ما أمر الله به موسى وهارون في مخاطبة فرعون: " اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى 43 فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى " طه 44.

ومنه كذلك ما يسوقه القرآن الكريم في معرض الحوار والمناظرة مع المخالفين لنا في الدين والعقيدة ، يقول سبحانه وتعالى : " قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا َوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ 24 قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ 25 قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ " سبأ 26.

ومن المناظرات التي نقلها لنا القرآن الكريم مناظرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع النمرود وفيها يقول سبحانه وتعالى : " 256 اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أولياؤهم الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 257 أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حاج إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" البقرة 258

من خلال ذلك نرى أن الحوار لدى الإنسان في نظر الإسلام صفة متلازمة معه تلازم العقل به؛ ولهذا فقد حدد الإسلام المنطلق أو الهدف الحقيقي الصادق الذي ينطلق منه المسلم في حواره مع الآخرين، فالإسلام يرى بأن المنطلق الحقيقي للحوار هو ضرورة البحث عن الحق ولزوم أتباعه  {فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إلا الضَّلال}، {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا اْتَّبِعْهُ إْنْ كُنْتُم صَادِقِين"، وهذه إحدى القواعد الأساسية في الحوار الإسلامي.

ولأن الحوار ضروري وملح في الدعوة الإسلامية فقد رسم الرسول الأكرم أروع الأخلاق في الحوار وأحسنها، بل وأسماها وأنبلها؛ لأنها أولاً مطلب إلهي أوصى الله به رسوله في كثير من الآيات القرآنية العظيمة، والتي من بينها قوله تعالى: {وَجَادِلْهُم بالَّتِي هِيَ أحْسَن"ُ، وكذلك قوله: "ادْفَعْ بالَّتي هِيَ أَحْسَنُ فإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيْم" وفي هذه الأية الكريمة نجد أن الحوار يصل إلى غايته لأنه يثمر " فإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيْم".

ثانياً: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بطبعه على خلق كما وصفه القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْم" . ولأنه - صلى الله عليه وسلم-  كذلك فقد جاء بأفضل الأساليب في الحوار منها احترام آراء الآخرين  "وإنَّا وإيَّاكُم لَعلَى هُدَىً أو في ضَلالٍ مُبِيْن"

ومنها أيضا أنه كان يحاورهم بأفكار يشاركهم بها :

"قُلْ يا أهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم إلا نَعْبُدَ إلا اللهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أرْبَاباً مِنْ دُوْنِ الله" .

وحتى لو وصل الحوار معهم إلى حائط مسدود كان ينهيه  بالإيجابية والاتفاق :

" قُلْ يا أيُّهَا الكَافِرُون لا أعْبُدُ ما تُعْبُدُون ولا أنْتُم عَابِدُونَ ما أعْبُد ولا أنَا عَابِدٌ ما عَبَدْتُم ولا أنْتُم عَابِدُونَ ما أعْبُد لَكُم دِيْنُكُم وليّ دِيْن" .

" وإنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لي عَمَلي ولَكُم عَمَلُكُم أنْتُم بَريْئُونَ مما أَعْمَلُ وأنَا بَرِيءٌ مما تَعْمَلُون".

صدق الله العظيم ورسوله الكريم أليس كل إنسان مسئولا عن عمله نعم إنه كذلك وكل رجائنا من الله الخير و التوفيق .

 

 

حافظ الجمالي محمود استانبولي محمد الراشد جلال فاروق الشريف جودت سعيد روجيه غارودي
بيير تييه رنيه شيرر اوليفييه كاريه مفيد ابو مراد عادل العوا وهيب الغانم
اتصل بنا من نحن جميع الحقوق محفوظة لمدرسة دمشق المنطق الحيوي 1967 - 2004