تحويات .. منطق الجوهر التعاوني

(ب) منظومة التحوي الفئوي وفق منطق الجوهر الصوري:

وهي تتضمن تحويات فئوية تأخذ صيغة الاعتدال في التعايش مع الفئويات المتمايزة. وتمكن من إيجاد حالة من الاندماج الصوري السطحي الذي يسمح بتجاوز الحدود الفئوية الضيقة إلى احتواء صوري يجد جوهره المعبر في صيغة رمز أو رموز  مقدسة تتلاقى فيها رموز الفئوية المشاركة وعندما نشير إلى منظومة منطق جوهر التعايش الصوري فإننا لا نقصد التقييم السلبي، أو الإشارة إلى الصيغة الترقيعية بوصفها صفة سلبية.

ويعبر منطق التعايش الصوري على المستوى الفئوي من خلال فئويات متعددة الأديان واللغات والقبائل والتحالفات المتعددة الأوجه وتأخذ صيغها الأكثر وضوحاً في الامبراطوريات الكبرى ومنها الهيلينية والرومانية- البيزنطية المسيحية و (العربية- الإسلامية) وما يماثل هذه الإمبراطوريات في الصين والهند وأمريكا القديمة.

ويسود في هذه الإمبراطورية جو من المجاملة والروح التوفيقية الباحثة عن تحقيق مصالح مشتركة في محيط واسع بسعة وسائل الاتصال في هذه المنظومة.. ووسائل الاتصال الفئوي هي ما قبل المحرك التجاري أي تعتمد على الخيول والسفن والفيلة والجمال. ولذلك فإن الاتساع الفئوي في هذه المنظومات محدود بحدود وسائل النقل والسيطرة وقابل للانهيار إن لم تدعمه منظومة فكرية دينية تقدس رموز الإمبراطورية بحيث تقوم مشاعر القداسة الدينية بدور الحارس على وحدة وأمن الإمبراطورية.

وإذا كانت الإمبراطورية الرومانية استخدمت المسيحية لترسيخ سيطرتها، فإن الحضارة العربية ما كانت لتقوم أساساً لولا الدين الإسلامي ليس بوصفه عصبية دينية كما يقول ابن خلدون بل بوصفه أيضاً دينياً سياسياً فهو دين التوحيد العالمي. ولذلك كانت رسائل النبي لقيصر وكسرى من قبيل (تعالوا لكي لا نتخذ من أنفسنا من دون الله آلهة) معبراً عن هذا الاتجاه الذي ما يزال يمثل الحدس السياسي الموجه للمسلمين.

ومنطق جوهر التعايش الصوري لا يتناقض مع منطق جوهر التمايز العنصري الديالكتيكي بل يتضمنه ويحتويه ضمن أفق تزول فيه الزوايا الحادة للعنصريات الاجتماعية المتباينة. وتظهر على السطح تحويات التعاون والتكامل المحدود.

ولذلك فإن صلة الرحم تبقى ضرورية من أجل تفسير (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) بمعنى أعنه على أن لا يكون ظالماً أيضاً. وفي حين يتجسد منطق الجوهر العنصري في زعيم القبيلة أو شيخ الطائفة فإن الرموز الفئوية كالخليفة وأمير المؤمنين والملك والقيصر هي المناسبة لمنظومة جوهر التعايش الصوري.

وشهد التاريخ العربي في صدر الإسلام حتى سقوط الخلافة العباسية صيغاً كثيرة لجوهر التعايش الصوري. وجرى فيها الاعتراف بكل الأديان والفرق والمذاهب القائمة ومنها الصابئة والمجوس. وفي القرآن والسنة النبوية وسيرة الكثير من الخلفاء ما يؤكد المرونة والتعددية على أساس وحدة الرمز وولايته السياسية وغلبة الجوهر المشكل للمنظومة الفئوية وهو هنا الإسلام.

وبما أن هذه المنظومة قابلة للانتكاس والنكوص مع تقليص المصالح وضعف وسائل السيطرة أو ظهور قوى مزاحمة. وهذا ما كان عليه الإمبراطورية الهيلينية والرومانية المسيحية والعربية الإسلامية، لذلك فإن عودة منطق الجوهر العنصري كانت واردة باستمرار، وفي التاريخ العربي فإن تاريخ الطوائف يكاد يكون تاريخ عودة منطق جوهر التمييز العنصري الذي كان يقوم على أساس دعاوى بالاختلاف المذهبي أو العرقي أو القومي. وتجد هذه المرحلة تعبيرها في مفهوم الفرق الناجية. وتعد حالة ملوك الطوائف في أواخر الأندلس صفة لها.. كما أن التفتت الطائفي والقبلي والقومي الذي استهدفته منظومة التعايش الصوري منذ قرون قد جعل هذه المنظومة تصل إلى أقصى درجات الهشاشة وبخاصة في عهد المماليك.

وعلى العكس من معظم الآراء حول هولاكو والتتار، فإن انكسار موجتهم كان هو العلامة الأخيرة لانكسار منظومة منطق التعايش الصوري، إذ على الرغم من أن منطق التتار والمغول مكان في بدايته منطق جوهر عنصري إلا أنه مع الفتوحات كان مضطراً لإيجاد شبكة دينية للسيطرة. وهذا كان يعني ضرورة تبنيه للإسلام وقد حدث ذلك بالفعل، وكما يقول الكاتب الأمريكي ول ديورانت في قصة الحضارة لو أن التتار والمغول لم يتراجعوا أو ينهزموا في بلاد الشام، لكان العالم كله قد أصبح إسلامياً الآن، والسبب في ذلك كما يقول هو أن المسيحية كانت حديثة العهد في روسيا وأوروبا الشرقية، وكان سعني السيطرة على البحر المتوسط وبالتالي أوروبا.. وبالتالي أمريكا عندما ستفتح.

أما بالنسبة للشرق الآسيوي فإن أمثلة الدولة الغزنوية وأندونيسيا توضحان إمكانات الانتشار الهائل للفئوية الإسلامية بوصفها فئوية توحيدية عالمية لا تتطلب من الآخرين إلا الاعتراف بوحدانية الله.. وبالتالي وحدة خلقه وضرورة عيشهم مع بعضهم بأكبر قدر من الأمن والثقة والتسامح والرحمة والكفاية وغير ذلك من أمور لا يمكن توفيرها إلا على مستوى ولايات متحدة واسعة الأرجاء يسعى الناس في مناكبها بحرية وأمان.

ولكن ليس لنا أن نتحسر لأن معطيات التطور العلمي والتقني كانت تنطوي على انتشار البارود ووسائل النقل التجاري وهذه كانت ستؤدي إلى ظهور منظومة منطق جوهري نافي ديالكتيكي يستنزف الآخرين لحسابه. كما حدث في أوروبا وكانت أوروبا قبل غيرها ضحية هذا المنطق والمستفيدة منه أيضاً

http://www.damascusschool.com/page/3.htm

منطق الجوهر الانعزالي

http://www.damascusschool.com/page/3_1.htm

منطق الجوهر التعاوني

http://www.damascusschool.com/page/3_2.htm

منطق الجوهر الصراعي

http://www.damascusschool.com/page/3_3.htm

منطق الشكل التوحيدي

http://www.damascusschool.com/page/3_4.htm

 

 

حافظ الجمالي محمود استانبولي محمد الراشد جلال فاروق الشريف جودت سعيد روجيه غارودي
بيير تييه رنيه شيرر اوليفييه كاريه مفيد ابو مراد عادل العوا وهيب الغانم
اتصل بنا من نحن جميع الحقوق محفوظة لمدرسة دمشق المنطق الحيوي 1967 - 2004