منطق الجوهر الصراعي
تحويات الصراع والتناقض..وفق منطق الجوهر
النافي الديالكتيكي
والراغماتي:
(اولا) منظومة التحوي الفئوي وفق منطق الجوهر
النافي الديالكتيكي
:
وهي تتضمن تحويات فئوية تأخذ صيغاً صراعية تناقضية تظهر من خلال مصالح غزو
واستعباد واستعمار من أجل القضاء على الآخر وتضع ذاتها في موقع المهيمن
جوهرياً على مصائر الآخرين. وتظهر هذه المنظومات في الفئويات التي تملك قدرات
تدميرية كافية لنقل وتجهيز وإبادة شعوب بكاملها وهذه الصيغة ترتبط تاريخياً
مع مرحلة ظهور واستعمال وصناعة البارود والمحركات التجارية والنفاثة.
وقد عبرت هذه المنظومة الجوهرية العنصرية النافية للآخرين من خلال قوى
الاستعمار الاسباني والبرتغالي فالفرنسي والإنكليزي والإيطالي والألماني
والروسي والأمريكي والياباني.
وعبر قرنين من التناحر والتناقض والحروب على مدار الأرض تجلت على نحو بارز في
حربين عالميتين. ولو أن مثل تلك التقنيات حدثت في العالم الإسلامي فإنها كانت
ستلون الكرة الأرضية بلون الصراعات الإسلامية- الإسلامية. حيث ستنتقل
المناظرات المذهبية إلى ميدان البارود.
وهذا يعني أن منظومة جوهر التعايش الصوري كان سيقضي عليها لا محالة عندا
تتوفر إمكانات الجوهر النافي الديالكتيكي.
وفي التاريخ العربي الإسلامي فإن النكوص إلى مستوى تحويات منطق الجوهر
العنصري ضمن فئويات قبلية وإقليمية وقومية مغلقة من قوى الشخصنة أدى إلى
تجميد العالم العربي الإسلامي وبخاصة في مراحل ضعف السلطنة العثمانية بعد أن
عجزت في امتلاك أدوات البارود والنقل التجاري بشكل كاف.
وكانت محاولة محمد علي باشا للخروج من هذا العجز بمثابة المحاولة الأخيرة
التي أبقت العالم العربي الإسلامي اقرب إلى الجثة المتفسخة تنتظر نصيبها من
النهش والتمزيق والابتلاع عندما تفرغ الضواري الأوروبية من حسم تنافسها عن
نهش جثة الرجل المريض.
وهذا ما حدث مع بداية القرن حيث انتهت الحرب العالمية الأولى بتقسيم وتوزيع
جثث العالم العربي والإسلامي وفئوياته العنصرية المغلقة المتناحرة على
المنتصرين الأوروبيين وتم زرع إسرائيل.
وفي التاريخ العربي الحديث فإن حركات الاستقلال وكسر احتكار السلاح والعلم
مكن الكثير من الفئات والأنظمة امتلاك منطق منظومة النافي الديالكتيكي. الذي
أمكن به نفي كثير من أشكال الاستعمار الغربي. ولكنه مع بداية الاستقلالات بدأ
يدخل طوراً جديداً لتتحول هذه المنظومة الجوهرية النافية الديالكتيكية إلى
مجموعة أنظمة حاكمة مدعومة من قبل قوى الهيمنة العالمية من أجل تكريس أنظمة
عنصرية متناحرة يعمل كل منها لنفي الآخر وقمع الشعب الذي يحكمه، وما زالت هذه
السمة هي الغالبة حتى الآن في حين بدأ العالم يدخل مع نهاية الحرب العالمية
الثانية في طور منظومة منطقية أكثر شمولاً وهي منظومة الشكل الحيوي.
وقبل أن نتعرض بالتعريف لها ولصيغ انتشارها ومميزاتها لا بأس من الملاحظة بأن
معظم المنظومات الفئوية المعيشة في العالم العربي والإسلامي تنتمي الآن إلى
منظومة منطق الجوهر النافي الديالكتيكي حيث كل من يريد أن ينفي الآخر ويبتلعه
ومع أن تعبير حزب الله خرج مؤخراً، إلا أنه يعبر عن كل الأحزاب والفئات حيث
كل يتحوي نفسه والآخرين بوصفه ممثل الله الأوحد. أو ممثل الأمة الأوحد. أو
ممثل الطبقة العاملة والتاريخ.. الخ.
ومثل هذا المنطق الأحادي النافي للآخرين كان يؤدي إلى كوارث ذاتية في كل فئة
قبل غيرها، فتناحر القوميين كان أقسى عليهم من سهام أعدائهم وتناحر
الماركسيين في عدن وغيرها كان أقسى عليهم من سهام أعداهم وتناحر البعث في
سوريا والعراق كان أقسى عليهم من سهام أعدائهم وتناحر الجماعات الإسلامية في
مصر والسودان والعراق كان أقسى من سهام أعدائهم.
ومثل هذا الإضعاف المتزايد للأنظمة وللفئويات العربية الإسلامية التي تدور
ضمن منظومة الجوهر النافي الديالكتيكي أصبح مضاعفاً مع دخول العالم منظومة
منطقية أشمل هي منظومة الشكل الحيوي والتي سنرى لاحقاً أن عدم سعينا إلى
الارتفاع إلى مستواها يعني وقوعنا في مزيد من التفتيت والحروب الأهلية..
العربية العربية، والإسلامية الإسلامية ونموذج الحرب العراقية الإيرانية
واجتياح الكويت، دليل واضح على أن الصراع العربي الإسرائيلي كما تجلت في
هزيمة 1967، اصبح أقل خطورة ومرارة وتدميراً مما يمكن أن يكون عليه الحال
عندما نطلق العنان لتحويات منطق الجوهر النافي الديالكتيكي التي تغوينا
وتغريبنا وتدغدغ عواطفنا اليائسة المقهورة بقرب انتصار سحري شامل مطلق على
الجميع.
كما أن نتيجة عدم الارتفاع إلى مستوى منطق الشكل الحيوي كان مسؤولاً في تصدع
الوحدة بين مصر وسوريا بسهولة كبيرة.. إلا أن الوحدات المتفق عليها بعد ذلك
الانفصال الشؤم لم يكتب لها الاستمرار حتى إلى ما قبل جفاف الحبر.. الأمر
الذي يرتد علينا بمزيد من الأحادية المغلقة وضيق الأفق بحيث سدت نوافذ العصر
الحيوي بإحكام من قبل قوى الهيمنة العالمية لنبقى أسرى منطق الجوهر النافي
الديالكتيكي من موقع الضعف المريع أمام إسرائيل وأمام الأنظمة الرسمية.. وأم
شرطة المرور التي كانت كافية في مستوى تسليحها على قمع جبهة الإنقاذ والتحول
الديمقراطي التدريجي في الجزائر.. لأن مسدساً واحداً أقوى من ألف متظاهر
وخاصة إذا كان صاحب المسدس لديه التغطية الإعلامية والاقتصادية محلياً
وعالمياً وكان مهدداً بالعزل والقتل إن لم يستمر في قتل شعبه ويحرس حدود
التجزئة وأنظمة الاستبداد ومصالح قوى الهيمنة العالمية.
ولذا فإن منطق الجوهر العنصري يعشعش في كل التحويات الفئوية الحاكمة
والمعارضة على السواء في العالم العربي والإسلامي ماعدا استثناءات بسيطة
ومعزولة وخجولة.
وتعد أنظمة الحزب الواحد والرجل الواحد والعائلة الوحيدة نموذجاً لهذه
المنظومة الحاكمة- بقليل من البارود، وقليل من المعتقلات، وقليل من المجازر
وقليل من الإعلام وكثرة من التحويات والترابطات الدولية الذي يغذي استمرارها.
--------------------------------------------------
(ثانيا) منطق النفي بالبراغماتي أعلى مراحل
الديالكتيك:
لا بأس من الإشارة- هذا إلى أن الاتجاهات البرغماتية، التي انتشرت في
الولايات المتحدة الأميركية، منذ بداية هذا القرن، هي الوجه الآخر
للديالكتيكية التي انتشرت في الدول الأوروبية.
ولكن الاختلاف بينهما، يقوم على أن النفي الديالكتيكي يعتمد على السعي الشامل
لمحو الآخر.. بوصفه طبقة ديناً.. قوماً.. الخ.. وهو ما يفترض في معظم
الأحيان.. تكاليف مواجهات دموية شاملة.
أما النفي البراغماتي.. فهو يقوم على نفي الآخر، بأقل كلفة، وبالتالي، فإن
النفي البراغماتي أكثر دهاءً ، وأكثر وقاحة.. فهو لا يتبرقع وراء مبادئ
لتبرير نفي الآخر، كما هو الحال في الديالكتيكية، بل هو علني، وواضح في
عدائه، لكل المبادئ، ما عدا مبدأ المصلحة الخاصة.
ومع انتصار الولايات المتحدة على الديالكتيكية السوفياتية، فإن الغرب
الأوروبي، ومعه كثير من المجتمعات، بدأت ترفع شعار البراغماتية، لتجاوز ما
كانت تعده مبادئ مقدسة.
ولذلك، فإن كثيراً من السياسيين، أخذ علنياً يزين خطابه في هذا التعبير..
ومنهم "عرفات" في محاولة للتلميع الذاتي، والتحدث بلغة مرجعيته السياسية..
ولا بأس من الإشارة إلى أن هذه البراغماتية، إذا استخدمت من موقع الضعف
فإنها تعني الإعلان الأنيق بالاستسلام، والقبول الصادق بالهزيمة، والانتحار
اللذيذ بتعاطي المخدر..
وكما سنرى لاحقاً.. فإن المنطق الموحد للشكل الحيوي، هو تجاوز لتحويات نفي
الديالكتيكية والبراغماتية.. فسواء كان النفي دموياً.. أو من خلال القفازات
البيضاء.. فليس ثمة ما يبررها في عصر العولمة الحيوية.
والعولمة الحيوية تقتضي توجيهاً للمصالح، لتصبح شاملة للإنسانية بأسرها..
وليس لصالح فئة دون غيرها..
ومن المناسب القول، بأن "اتفاقيات الجات" التي روجت لها وفرضتها الولايات
المتحدة على معظم دول العالم، والتي تظهر أنها شكل من أشكال الحرية،
والانفتاح، بينما هي، في الحقيقة، شكل من أشكال النفي البراغماتي. فالجات لا
تستهدف- فقط- نفي مصالح دول العالم الثالث، المفتوحة عنوة.. أمام متطلبات
السوق الرأسمالية.. بل هي- أيضاً أي "الجات"- موجهة لنفي مصالح القوى العاملة
الفقيرة، والمهاجرين إلى الولايات المتحدة والغرب، لإخراجهم - بعيداً- عن
الساحة السياسية..
وقد يسأل أحدهم: كيف ذلك؟ ولماذا تضرنا قوانين التجارة الحرة، المفتوحة
بإطلاق، ولماذا تزيد الفقراء فقراً في الولايات المتحدة، ولماذا تضر
المجتمعات المتخلفة في العالم الثالث؟
للإجابة نقول: إن (الجات) تعطي الترخيص القانوني لنقل المصانع الغربية إلى
دول العالم الثالث الفقيرة جداً كأندونيسيا وماليزيا وتايوان.. الخ وهي بذلك،
تضرب عصفورين، بل وأكثر، بحجر واحد.. فهي أولاً، تجد أيدي عاملة أكثر رخصاً-
بما لا يقارن مع كلفتهم في الغرب، إذ بدلاً من أن يدفع رجل الأعمال الأمريكي
6 دولارات للعامل الواحد، عن الساعة في أمريكا، فإنه يدفع، اقل من عشر سنتات،
لعمل يوم كامل، خارج أمريكا يشغل به طفلاً أو امرأة حامل أو عجوز مريض.
وفي حين يضطر للخضوع إلى رقابة الدولة في الغرب، على معايير الإنتاج، وشروط
الأمن، والضمان الصحي والاجتماعي والضريبي.. الخ.. فإنه يعمل، ما يحلو له،
خارج الغرب.. وهو بذلك، يحرم فئات غربية كثيرة من فرص العمل اليدوي، بحجة
أنها غالية، وبالتالي، يفقرها ويخرجها عن الساحة السياسية. وبالفعل، فإن
الكثير من المعامل وخطوط الإنتاج، قد أغلقت في الولايات المتحدة.. وانتقلت
إلى المكسيك، ودول أخرى في العالم الثالث.
أما الإفقار الذي تتعرض له دول العالم الثالث، فقد رأينا له صوراً مباشرة، في
الكارثة التي حلت في المكسيك مباشرة، بعد توقيع اتفاقية الجات، حيث خسفت
الأرض برأس المال الوطني، وضعفت القوة الشرائية إلى حدود مريعة، خرجت معها
قوى كثيرة من الساحة السياسية.. وذلك باسم الانفتاح والحرية.
ونرى- الآن- صوراً للكوارث، التي تتعرض لها دول شرق آسيا، بعد أن استعملت
كثيراً للإغراء، بوصفها مخرجاً للتقدم، وطريقاً للنمور.. وليس من المستغرب أن
تكون مصر باتجاهاتها المتباعدة نسبياً عن الأوامر الأمريكية.. أن تكون مرشحة
لمثل هذه الكارثة..
ومع أن الإفقار الحالي، تم عن طريق عمليات احتيال بنكنوتية.. إلا أن الإفقار
الحقيقي، يقوم على تفريغ الريف والمناطق الزراعية في العالم الثالث، من القوى
العاملة، لتحرم هذه الدول، من عماد ثروتها الأساسية، والمصدر المأمون والأساس
لغذائها.
أما العصافير الأخرى، فهي ضرب الصناعات المحلية الناشئة، ووقف نقل
التكنولوجيا وتطويرها في دول العالم الثالث، وضرب القوى الحيوية، المعادية
للهيمنة الغربية فيها.
لذلك، وبعد كل هذا، وذاك، فإن (الجات) تؤدي إلى زيادة أرباح، وزيادة سطوة قوى
الاحتكارات الكبرى.. وزيادة قدرتها على استخدام ذراعي الخارجية والدفاع في
الحلف الأطلسي، لضرب كل ما يقف في وجهها، وهذا ما جرى للعراق، ليكون عبرة لمن
يخاف.. ولمن لا يستخدم المنطق الحيوي في قراراته.
المنطق الموحد للشكل الحيوي، كما سنلاحظ لاحقاً، يقوم على مبدأ مرجعي ملزم
بقوة البداهة المنطقية، المؤدية إلى توحيد البشر، على قاعدة المصالح
المشتركة، في الحياة والحرية والسلام.. دون أي أثر للنفي والهيمنة والعنف،
غير عنف منطق الحياة نفسها..
وهذا الإلزام الحيوي، ليس دينياً، وليس غيبياً، بل هو منطقي، وعملي، وشامل..
ويمكن لمس ضرورته ببساطة وشمول.. ولذلك.. فإن فقه المصالح الحيوية التي ندعو
إليها لا يمت بأي صلة إلى منطق النفي البراغماتي إلا من حيث السعي للتخلص من
قوى النفي- نفسها- محلياً وعالمياً.. بأقل كلفة ممكنة، وبشكل علني ولمصلحة
الجميع.. ويكفي لإيضاح إلزام هذا المنطق الحيوي للمصالح، الإشارة إلى أننا
أصبحنا في عصر لا يستطيع فيه، أي منا، أن ينفي الآخر، دون أن يعرض نفسه
للنفي.. ولذلك، فليس ثمة مصلحة أكيدة، لاستمرار النفي الديالكتيكي أو
البراغماتي بل توجد أضرار شاملة وواضحة في استمراره.. كما سنرى، فيما يلي،
أثناء عرض موجز لمنظومة المنطق الموحد للشكل الحيوي الذي إذ يؤسس العولمة
الحيوية باشتراط أشكالاً للانفتاح التجاري والسياسي والثقافي تعود بالفائدة
والخير على الجميع.
لا ضرر ولا ضرار.
http://www.damascusschool.com/page/3.htm
منطق الجوهر الانعزالي
http://www.damascusschool.com/page/3_1.htm
منطق الجوهر التعاوني
http://www.damascusschool.com/page/3_2.htm
منطق الجوهر الصراعي
http://www.damascusschool.com/page/3_3.htm
منطق الشكل التوحيدي
http://www.damascusschool.com/page/3_4.htm
|