منطق الشكل التوحيدي

تحويات المجنمع الحيوي  ..  مجتمع التوحيد عبر التنوع.. مجتمع الحريه

(هـ) منظومة التحوي الفئوي وفق المنطق التوحيدي للشكل الحيوي:

مع نهاية الحرب العالمية الثانية وتفجر القنبلة النووية والوصول إلى القمر وتنامي ثورة المعلوماتية والاتصالات، فإن البشرية دخلت في طور جديد جعلت العالم قرية صغيرة. وجعلت تحديات البيئة وأسلحة التدمير الشامل والإرهاب بمثابة تحديات قابلة لتدمير الحياة على الأرض.

والإرهاب قد لا يفهم من قبل كثير من أبناء العالم الثالث بأنه يهدد الحياة على الأرض إذا ما قيس بوسائل التدمير العادية التي يستعملها إلى الآن الإرهابيون.. لكن إذا أخذنا بعين الحسبان إمكانات امتلاك الأفراد على أدوات التدمير الشامل.. وهذا أمر لم يعد من المستحيل علمياً وتقنياً.. عند ذلك لنا أن نتوقع المخاطر الكبيرة التي يمكن أن تتجسد بمجرد مبادرة فردية لهذا السبب أو غيره.. ولهذا فإن الإرهاب يوضح لنا قيمة الفرد والجماعات الصغيرة وهو أمر عرفته أوروبا والولايات المتحدة مبكراً فأقرت الكثير من الحقوق التي تعطي الضمانات الأمنية والصحية والمعاشية للأفراد.. لأنه وفي ظل الاقتصاد الحر فإن مجرد التهديد بقنبلة عادية يمكن أن يعرقل مسار الحركة الاقتصادية لمدينة أو دولة كبرى.

ولذلك فإن سياسة حقوق الإنسان لا تجد تطبيقها المتنامي لكونها جميلة في ذاتها فقط بل أيضاً لكونها أصبحت ضرورة لاستمرار عجلة الإنتاج الاقتصادي واستمرار دورة الحياة.

ومن أجل ذلك، فإن الحروب توقفت في الدول القابلة لامتلاك وتصنيع أسلحة الدمار الشامل.. وشهد العالم الشمالي لأول مرة تاريخه نصف قرن من سلام الردع النووي.

وفي حين تصعد محطاته الفضائية إلى ما بعد القمر فإن مخاطر البيئة تبدو مهددة للجنس البشري برمته.

هذه الأمور جعلت من الضروري بمكان تغيير أنماط المنظومات المنطقية المعيشة وبرزت لأول مرة في التاريخ مقولات وفئويات ومنظومات عالمية إنسانية تقوم على دحض أي تمييز جوهري عنصري بين الناس.. ويجري الانحراف بوحدتهم وإنسانيتهم بشكل واضح.

ومع أن سياسات الغرب ما تزال على المستوى الخارجي تدور ضمن مخلفات منطق النفي الديالكتيكي.. فإن الغرب على المستوى الداخلي يشهد صعوداً لمنطق الشكل الحيوي بشكل متنامي في حركات وقوى حقوق الإنسان والنساء والقوى المناصرة للعالم الثالث والشعوب المضطهدة. ويجري رفع وتبني شعارات التنوع والتعددية والديمقراطية بشكل عميق.

وتعد قمة الأرض في (ريو دي جانيرو) في عام 1992 لبحث هموم البيئة وتوصياتها بالمحافظة على الأنواع الحيوانية والنباتية دليلاً على حاجة الإنسان- كل إنسان- للآخر لا على المستوى الإنساني فقط بل على البيئي أيضاً.

ودون دخول في المداليل النظرية لمقولة الشكل التي تعني انعدام وجود جواهر ثابتة وبصرف النظر عن إمكانية التدليل عليها في العلوم التطبيقية فإنها تتلاقى مع كل الدعوات الإنسانية وأناشيد الشعراء بالتعايش المشترك إقراراً واحتراماً لإنسانيتنا المشتركة. وهذا ما نفهمه بالعولمة الحيوية التي طالما حلم بها الأحرار والاشتراكيون ونادوا بالتحول العالمي الحتمي إلى الحرية والاشتراكية وتحطم الاستغلال والحدود.

وإذا كان ذلك حلماً ناسف لسقوطه.. فإننا أمام كابوس حقيقي بالعولمة الرأسمالية التي تريد تحويل العالم إلى مزرعة لقلة احتكارية غربية تمارس الاحتكار والعنصرية في الغرب نفسه.. إن العولمة الحيوية التي نريدها.. ليست مجرد حلم بل هو منطق ملزم حتى بالنسبة لتلك القوى الاحتكارية والاستعمارية.. فإما أن تتسق كلية مع المنطق الموحد للشكل الحيوي.. منطق العصر.. وإلا فإنها تعرض نفسها والعالم إلى الدمار..

والعالم الثالث وضمنه العالم العربي الإسلامي ليس معزولاً كلياً عن أطوار منظومة الشكل الحيوي، فكسر احتكار التعليم والسلاح مع الخبرات المستفادة من الصراع العربي الإسرائيلي والحرب العراقية الإيرانية وحروب الأنظمة والقوى الاجتماعية المتباينة على الرغم من مرارتها وهولها، بل ويسبب فداحتها وخطورتها، فإن الوعي العربي الإسلامي يستعد لمنظومات منطقية جديدة تمكنه نم التعايش مع نفسه ومع الآخر.

وعلى سبيل المثال فإن الحرب الأهلية اللبنانية التي تعد نموذجاً لصراعات وتناقضات منطق الجوهر النافي محلياً وعربياً وعالمياً أوضحت بشكل قاطع أن لا أحد يستطيع أن ينفي الآخر وأن الجميع قادرون على الاستمرار فلماذا لا يكون الاستمرار من خلال العيش المشترك؟. وهذا الدرس يطرح بقوة على الجميع حكاماً ومحكومين، ولذلك فإن دعوات حقوق الإنسان والديمقراطية والعقل النقدي تجد تعبيرها المتسارع وهذه كلها دلائل على دخول منظومة منطق الشكل الحيوي وإن كان على نحو بطيء ندفع ثمنه غالياً.

ومنطق الشكل الحيوي لا يقول بوجود جواهر اجتماعية متمايزة جوهرياً، وأبداً لا يقول بأن التحويات الفئوية متمايزة جوهرياً وعليها أن تبقى مختلفة أبدياً، بل يقول إن قضية الحياة والحرية هي قضية العالم أجمع والإنسانية كلها.. ويقول إن سبل وأشكال التحوي لتحقيق إرادة الحياة.. الحرية يجب أن تنبع من الذات.. من تراثها الحيوي.

ففي كل مجتمع شواهد وعبر تؤكد وحدة الإنسانية وحقها في الحياة بصرف النظر عن كل الاعتبارات.. والطريق الحيوي هو في استخدام هذا التراث الحيوي الخاص في سياقه التاريخي لكي يكون طريقاً وأسلوباً. لعلاقات الآخرين في منظومة الشكل الحيوي الذي لا يهدد بإلغاء الآخر بل يسعى للاغتناء به وتحقيق الوحدة على أساس التنوع.

ولذلك فإن الفئويات في منظومة الشكل الحيوي متنوعة في مصادر ومواقع ورموز نهوضها الحيوي لبناء فئوية إنسانية على مستوى إمكانات وتحديات العصر. وهذا التنوع يؤكد وحدة الحياة ووحدة قضية الحرية للعالم أجمع جماعات وأفراداً. ومقولة الشكل تنفي كل أثر للمصالح الجوهرية العنصرية التي يدعيها بعضهم وتؤكد اكثر من أي وقت آخر أن العالم على سفينة الأرض متضامن رغماً عنه، وموحد رغماً عنه، وأن اختلاف الأشكال والطرق والأساليب دليل على وحدته.. وأن الإصرار على إعطاء الذات مصالح جوهرية عنصرية نافية للآخرين هو شكل من أشكال التهديد الشامل.. وأن محاولة اقتلاع الآخرين من جذورهم وتراثهم هو ثقب في السفينة المشتركة ودفع للمقاومة اليائسة لاستخدام الإرهاب المتعاظم الندية مع صرخة شمشون (عليّ وعلى أعدائي).

منطق الشكل الحيوي هو منطق العصر.. وهو ملزم بمقدار كون عدم عيشة مدمراً للجميع.

منطق الشكل الحيوي يعني الاعتراف بخصوصية وحيوية الآخرين بمختلف أشكال تكوينهم التراثي. والعالم العربي والإسلامي مدعو لدخول منظومة المنطق الموحد للشكل الحيوي من خلال عولمة الإسلام السياسي لتأكيد وتأصيل حقوق الإنسان في ديار العرب والمسلمين للاتساق مع حق جميع شعوب العالم في الحياة والسلام والحرية.

وفي التراث الإسلامي نجد أعظم دلالات وحدة الحياة ووحدة قضية الحرية وضوحاً وشمولاً، وهي معيشة ومقدسة لدى الجميع وحسب مقولة عمر "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" ومقولة علي"عامل الناس بإحسان فهم إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".

ولذلك وبدون أية منطلقات جوهرية عنصرية وبدون تجاوز لوحدة التاريخ البشري ووحدة منطق تشكله، بل إقراراً لوحدة منطق الشكل وشموليته لتفسير مقولات الجوهر نفسها وقدرته على تفهم ظهور وتنوع وزوال مختلف الصيغ والمنظومات السياسية والنظرية والفئوية.

واستناداً إلى ذلك نقول إن الحيوية الإسلامية هي طريق العرب والمسلمين إلى عصر المنطق الموحد للشكل الحيوي ودخول العصر لا لنفي الآخر. بل لإعطاء الآخر أفضل ما في الذات وأسهل طريق للمشاركة في تحمل مسؤولية العيش المشترك في هذا العالم.

والعولمة وفق المنطق الحيوي تعني أولوية المصالح العالمية في التنوع الشامل من أجل مشاركات متنوعة لخير العالم على طريق إرادة الحياة.. الحرية.

وعولمة الإسلام السياسي لا تعني إخضاع الآخرين للإسلام والطقوس الدينية المذهبية بل تعني طمأنة المسلمين وغير المسلمين إلى قدرتهم في تحطيم الأصنام الطائفية والعنصرية التي تحول دون مشاركتهم بفعالية في صنع السلام العالمي وذلك لأن الإسلام لا يعني العبودية ولا يعني الخضوع للأصنام بل لتحقيق إرادة الحياة والحرية.

http://www.damascusschool.com/page/3.htm

منطق الجوهر الانعزالي

http://www.damascusschool.com/page/3_1.htm

منطق الجوهر التعاوني

http://www.damascusschool.com/page/3_2.htm

منطق الجوهر الصراعي

http://www.damascusschool.com/page/3_3.htm

منطق الشكل التوحيدي

http://www.damascusschool.com/page/3_4.htm

 

 

حافظ الجمالي محمود استانبولي محمد الراشد جلال فاروق الشريف جودت سعيد روجيه غارودي
بيير تييه رنيه شيرر اوليفييه كاريه مفيد ابو مراد عادل العوا وهيب الانم
اتصل بنا من نحن جميع الحقوق محفوظة لمدرسة دمشق المنطق الحيوي 1967 - 2004