في حين تعد كلمة التحوي
من الكلمات القليلة الاستعمال، فإنها بالغة
الدلالة وشديدة الصلة بمفردات شائعة كالحياة والاحتواء.
فالتحوي
مستمدة من الجذر (حوا) الذي يدل عليه أصغر قاموس مدرسي (مختار الصحاح) على النحو
التالي: (الحوايا) الأمعاء جمع حوية، والحواء جماعة بيوت من الناس. والجمع. و
(حواه) يحويه (حيا) واحتواه (مثله) واحتوى الشيء، استولى عليه وتحوت الحية تجمعت
واستدارات. وفي الريف المصري تستخدم كلمة "حوايا" لتدل على (الكعكة) أو اللفافة
القماشية التي تضعها المرأة على رأسها عندما تحمل عليه شيئاً كقرب الماء مثلاً.
وتعبير (وحوى) يستعمله الأطفال في رمضان مع تدوير الفوانيس في أيديهم.. كناية عن
الخير وطلبه. وهذه المعاني يمكن أن نجدها في كل اللغات السامية كالعبرية، السريانية
والأثيوبية.
والتحوى استدارة كل شيء. ويمكن إطلاق تسمية (حوية) على أي كائن أو
فرد أو فئة. والتحوى هو المنظومة المنطقية التي تلتف- بها- الحوية حول نفسها، وحول
ما فيها، وما في محيطها. وصيغة الأمعاء بوصفها حوايا تحتوي على ما فيها من غذاء،
تحول الغذاء إلى ما يجعله قابلاً للتحول إلى حواء { فجعله غثاء أحوى} (الأعلى 5).
وتوضح انعدام وجود فرق جوهري بين الأمعاء (المحوى) والغذاء (المحتوى) فعملية تمثل
الغذاء التي تتم من خلال عملية الاحتواء في المعدة والأمعاء، تجعل المحوى والمحتوى
شيئاً واحداً يعطي الحياة ويكفل استمرار التحوى والدوران لتغذي نفسها بنفسها في
الوقت نفسه الذي تتحوى فيه لتغذي الجسم عامة وفقاً لما يحتويه الغذاء. وبحسب قدرتها
وقدرة الجسم عامة على الاحتواء والتمثل.
ولذلك فإن التحوى هو التعبير المناسب للدلالة على تغذية المنظومة
المنطقية المعيشة بوصفها حوية تغذي نفسها بنفسها وتغذي غيرها.
الحيويـة:
هي التحوي المتجدد والاحتواء الفعال والحواء الضروري
في القاموس المدرسي لوزارة التربية السورية شرح مختصر لكلمة حي
(فالحي من أسماء الله الحسنى والنسبة حيوي) والحيوية لدينا هي التحوى الفعّال
والاحتواء الضروري والحواء المتجدد.
والحيوية بوصفها مفهوماً ليست مجرد معنى للفاعلية والتجدد والتي
تختلط بالمعاني البيولوجية. بل هي صيغة أشمل للدلالة على التكون، التشكل عامة، سواء
أكان بيولوجياً أم آلة صناعية. أم منظومة تجارية أو بيئية أو فنية أو فكرية أو
دينية أو عائلية.. الخ.
وهذه الدلالات الحيوية تأتي –
هنا- من خلال طريقة الاحتواءات والالتواءات التي تصنع من ظاهرة ما دارة حية يمكن
وصفها بـ "حواء" وبـ "حياة" وبذلك فالحيوية هي تشكل حوائي- أحيائي وتتضح هذه
المعاني من دمج اشتقا قات (حيا، وحوا) المتقاربين لفظاً والمتحدين معنى، ولا بأس من
التوقف لحظة عند الترابط والتقارن اللغوي بين (حو وحي) حيث نرى معاني متطابقة. تحت
باب حواء نجد الحواء بمعنى الحي، فالحواء مجموعة من الأحوية يداني بعضها من بعض
فنقول هم أصل حواء واحد والعرب تقول لمجتمع بيوت الحي (محتوى) ومحوى وحواء[1].
وتحت باب (حي) نجد المعاني ذاتها ومترادفاتها حيث يمكن القول لا يعرف الحي من اللي،
أي الحق من الباطل ويمكن قولها (لا يعرف الحو من اللو)[3].
والحي.. هو واحد من أحياء العرب، ويلاحظ ابن منظور أن الكلمتين تسببان التباساً في
التعريف بسبب تقاربهما ويقول: إن (أبا علي) ذهب إلى أن (حيه) و(حواء) كـ (سبط وسبطر
ولؤلؤ ولآل) وفي قول (أبي عثمان) أن هذه الألفاظ اقتربت أصولها واتفقت معانيها وكل
واحد لفظه غير لفظ صاحبه كذلك (حية) مما عينه ولامه ياءان (وحواء) مما عينه (واو)
ولامه (ياء) كما أن لؤلؤاً رباعي و (لآل) ثلاثي لفظاهما ومعناهما متفقان ونظير ذلك
قولهم جبت القميص وإنما جعلوا (حواء مما عينه) (واو) ولامه (ياء) وإن كانت يمكن أن
يكون لفظه مما عينه ولامه (واوان) من قبيل أن هذه الأكثر في كلامهم[4].
هي القوى التي تمثل نموذج الشخصية الاجتماعية المعيشة في صيغتها
الأكثر تمايزاً عن الشخصيات الأخرى، وقوى الشخصنة هي حارسة استمرار الشخصية
الاجتماعية المتميزة وتعيش على حساب المجتمع بوصفها الأمينة على بقاء أنماطها.
تعارض قوى الشخصنة وتسعى لتجديد أنماط الشخصية الاجتماعية المعيشة.
والشخصنة لا تعني السلبية بل الاندفاع السلبي للذات بطرد الآخر
والابتعاد عنه، والتفرد لا يعني الإيجابية بل الاندفاع الإيجابي للذات لاحتواء
الآخر والتناغم معه، ولذلك فالشخصنة هي الانغلاق، والتفرد هو الانفتاح. وقوى
الشخصنة والتفرد لا يمكن الإشارة إليهما إلا بدلالة الكلية الاجتماعية المعيشة. ومع
أن صفات التفرد والشخصنة عامة في كل المجتمعات ومستمرة عبر التاريخ إلا أنها مختلفة
في المجتمع الواحد بحسب سمات التحوى الفؤي وحيويتها.
إذ أن الفئات الاجتماعية يمكن أن تتمايز بحسب طريقة تشخصيها وتحويها
لأنساق التكون الاجتماعي وهي أنساق متعددة ومتباينة.
ولهذا فإن حيوية كل من سمات الشخصنة والتفرد ليست محددة سلفاً بل يتحدد ذلك بحسب
حيويتها لإعادة تجديد الذات المعيشة فردياً وفئوياً وبحسب ضرورة هذا التجديد على
المستوى الإنساني.
يشكل الفرد أو الجماعة من الناس دائرة تحوي فردي أو فئوي.. والحوية
الفردية أو الجماعية على أنساق تكونها بمصالح تتضمن استمرارها وإعادة إنتاجها.
وتتميز دارات التحوي الفئوي بحسب أنساق التشكل الإنساني بحيث تلاحظ في النسق الأرضي
فئات جبلية وصحراوية وسهلية وساحلية وقارية وقطبية شمالية وجنوبية.. الخ.
في النسق الاقتصادي نلاحظ فئات عمالية وفلاحية وحرفيين وعاطلين عن
العمل ومهنيين وأغنياء وفقراء ومتوسطي الدخل وطبقات.. الخ.
وفي النسق العلمي نلاحظ أميين واخصائيين وفئات لغوية تتكلم العربية
أو الروسية أو البربرية أو الإنكليزية. وفي النسق العقائدي نلاحظ مذاهب وطوائف
وأديان، وفي النسق الإداري نلاحظ جمهوريين وملكيين وأقاليم ودول وشعوب وأقوام
وقبائل وتحالفات وجبهات وهيئات وأحزاب، وعصبيات تتحوى نظاماً للضبط والسيطرة
الفئوية الداخلية والخارجية.
وفي النسق القيادي يمكن أن نلاحظ متفائلين ومهزومين طموحين وقانعين
وجماعة هذا الزعيم أو ذلك ماركسيين، نازيين.
وهذه الأشكال الفئوية المتباينة لا تعاش كسمات مستقلة بل تعاش معاً
وقد تكون إحدى هذه السمات أكثر بروزاً على صعيد فرد أو جماعة ضمن الكلية الاجتماعية
كبروز السمة الدينية أو الاقتصادية أو العشائرية أو اللغوية أو السياسية أو
النفسية.. الخ، نقول إن بروز إحدى السمات لا يعني عدم وجود السمات الأخرى ولا يعني
أن لها صفة جوهرية دائمة، بل إن ذلك متغير بتغير طرائق التشكل الاجتماعي وأوليتها،
والسمة الأهم تأخذ سمات اللحظة التاريخية.
وقوى الشخصنة والتفرد ليست صفات معزولة عن تلك السمات الفئوية بل هي
السمة الأعم التي تحدد حيوية من يعيشها بوصفها طريقة حياة خاصة وعامة.
وصفة الحيوية تتوزع على قوى التفرد والشخصنة بشكل لا يجوز القول معه
بقوى حيوية وأخرى غير حيوية بشكل دائم ولا نهائي بل بقوى أكثر حيوية بحسب حيويتها
لاستمرار الكلية الاجتماعية ونموها الإنساني. وبحسب صيغة تحويها لقدرات مجتمعها
وعصرها، وبحسب حيويتها في أضواء المنظومة المنطقية لعصرها.