الحوار بين منطق  الشكل الحيوي

ومنطق  الجوهر العنصري.

 

 

الإعلاميه دانييلا رباح


لماذا اخترت هذا الموضوع؟

الصراع الديني موجود في العالم كله و بخاصة في لبنان بسبب التعدد الطائفي و
النظام الطائفي في لبنان و الصراع الطائفي الأكبر هو موجود بين المسلمين و
المسيحيين, فهذا سبب و السبب الآخر وكما يعتقد البعض بأن المسلمين لا يتفبلون
الحوار وأنهم متزمتون  فأردت أن أظهر أن دين الإسلام يدعو للحوار و تقبل الآخر
و ليس أبدا ضد الحوار
 

 و لكن ما هو تعريف الشكل الحيوي و الجوهر العنصري؟

  الشكل الحيوي:

 الشكل الحيوي يشمل الشكل الخارجي ولكن لا يقتصر عليه بل يتضمنه
كطريقة تشكل. ولذلك الشكل الحيوي المقصود هو ليس بالقشرة  او الصورة الخارجية
للحوار  كما هو الحال عند الشكلانيين ولا يعني الصورة  الجوهريه كما هو الحال
عند الارسطيين ولا يعني المثال الروحي  الخالد الازلي  السامي كما هو الحال عند
الافلاطونيين . فالشكل هو طريقة تشكل الكائن سواء كان شكلا قشريا خارجيا أم
شكلا  داخليا تحت  القشرة  ، الشكل هو طريقة تشكل سواء  كان ظاهرا ام غير ظاهر,
ممكن التعرف ام غير ممكن, ساميا ام متدنيا, سماويا ام ارضيا,خالدا ام مؤقتا,
واقعيا ام وهميا,  ماديا ام روحيا. حوارا أم صمتا, حوارا كتابيا أم حوارا
لفظيا. فهو الحوار الايجابي.

-     إذن فما هي يا ترى مواصفات الحوار الإيجابي الذي نسعى لترسيخه بيننا ؟
الحوار الإيجابي الصحي هو الحوار الموضوعي الذي يرى الحسنات والسلبيات في ذات
الوقت ، ويرى العقبات ويرى أيضا إمكانيات التغلب عليها ، وهو حوار متفائل (في
غير مبالغة طفلية ساذجة) وهو حوار صادق عميق وواضح الكلمات ومدلولاتها وهو
الحوار المتكافئ الذي يعطي لكلا الطرفين فريضة التعبير والإبداع الحقيقي ويحترم
الرأي الآخر ويعرف حتمية الخلاف في الرأي بين البشر وآداب الخلاف وتقبله . وهو
حوار واقعي يتصل إيجابيا بالحياة اليومية الواقعية واتصاله هذا ليس اتصال قبول
ورضوخ للأمر الواقع بل اتصال تفهم وتغيير وإصلاح وهو حوار موافقة حين تكون
الموافقة هي الصواب ومخالفة حين تكون المخالفة هي الصواب فالهدف النهائي له هو
إثبات الحقيقة حيث هي لا حيث نراها بأهوائنا وهو فوق كل هذا حوار تسوده المحبة
والمسؤولية والرعاية وإنكار الذات.

            الجوهر العنصري: الجوهر ثابت فهو لا يتغير أبدا, فهو يعبر عن مصالح
و احتياجات تتصف بعدم الاقرار بالتغير أو بالتواصل و منطق الجوهر هو الجذر
المشترك بين الفلسفات الماديه والروحيه و الدينييه وغير الدينيه التي تحتكر
لنفسها دون غيرها امتلاك الحق - والحقيقه ,الأمر الذي يجعلها تحتوي  ازدواجية
معايير وتتحوى بسياسات عنصريه بوعي او بدون وعي. منطق الجوهر هو تعبير حيوي ضمن
ظروف تفرضها مصالح مغلقة تتضمن النظر إلى الذات بوصفها تختلف جوهريا عن ذات
الآخرين وبالتالي تبيح لنفسها ما لا تبيحه لغيرها. و بالتالي تبيح لنفسها
ازدواجية المعايير, وتستفيد من التحويات  الاستغلالية والاستعلائية, العنصرية
فكريا و سياسيا.

 


الحوار      :

هو تفاعل لفظي أو كتابي بين اثنين أو أكثر من البشر يهدف للتواصل
الإنساني وتبادل الأفكار والخبرات و تكاملها .
الحوار:  هو تبادل المعلومات والأفكار والآراء سواء أكانت تبادلاً رسمياً أم
غير رسمي ، مكتوباً أم شفوياً . وينعقد الحوار بمجرد التعرف على وجهات نظر
الآخرين وتأملها وتقويمها والتعليق عليها لذلك يمكننا القول أن الحوار هو نشاط
يومي نمارسه في المنزل والشارع والعمل والمدرسة والجامعة ومنتديات الحوار ...
الخ. وبقدر ما يكون الحوار إيجابياً يكون مثمرا في حياة الفرد والجماعة. وبقدر
ما يكون سلبيا يكون هداما لكيان الفرد وكيان الجماعة.الحوار الخطابي (اللغوي )
: وهو الحوار الذي يتم باستخدام اللغة  سواء كانت لغة لفظية   ( لسانية) أو
إشارية وسواء تم الحوار شفهيا  أو كتابيا  . وهذا النوع من الحوار هو المتبادر
للذهن عند إطلاق كلمة الحوار. وهو يكون إما حوارا  عفويا أو عاديا كالذي يجرى
يوميا بين الناس عند مخاطبتهم لبعضهم البعض لأي غرض كان ، و إما حوارا منظما
ومتعمدا  يتم داخل  اجتماعات أو من خلال تبادل الكتابات والرسائل. ويعد الحوار
الخطابي أساسا وسيلة سلمية ويستعمل في الغالب الأعم لغرض ودي ولكنه قد يستخدم
أحيانا لغرض غير ودي الأمر الذي يحوله من وسيلة للتعاون وحل الصراعات إلى وسيلة
لاستمرار الصراع و تكريسه  بطرق  اقل عنفا.الحوار الفعلي ( العملي ) : وهو
الحوار الذي يتم من خلال الأفعال  والسلوكيات والإنجازات والمواقف  التي تعبر
عن نفسها وتنقل للآخر  انطباعات أو قناعات، إيجابية أو سلبية، عن مصدرها.
والحوار الفعلي منه ما هو غير مباشر وهو كل فعل أو سلوك  لم يتم أساسا بقصد نقل
أو إعطاء  انطباع أو فكرة معينة للآخر وان كان هذا الآخر عادة ما  يفهم أو
يستقى منه  انطباعا أو فكرة ما ، ومنه ما هو مباشر وهو كل فعل أو سلوك عملي
يصحبه قصد التأثير على الآخر ونقل رسالة معينة إليه .

-  تعريف الحوار في اللغة, الاصطلاح

 الفرق بين الحوار و الجدل؟

الحوار في اللغة : تراجع الكلام ، وفي لسان العرب:  (وهم يتحاورون أي: يتراجعون
الكلام. والمحاورة:مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة ) .
أما الجدل: فقال ابن فارس: ( الجيم والدال واللام أصل واحد وهو من باب استحكام
الشيء في استرسال يكون فيه وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام ) .

الحوار في الاصطلاح: هو المعنى اللغوي السابق نفسه ،  فهو إذاً: مراجعة للكلام
بين طرفين أو أكثر دون وجود خصومة بينهم بالضرورة
أما الجدل: فهو: إظهار المتنازعين مقتضى نظرتهما على التدافع والتنافي بالعبارة
أو ما يقوم مقامهما من الإشارة والدلالة  .  ويفرق العلماء بين الحوار والجدل
حيث إن الجدل مظنة التعصب والإصرار على نصرة الرأي بالحق وبالباطل والتعسف في
إيراد الشبه والظنون حول الحق إذا برز من الاتجاه الآخر

وتوجد ألفاظ قريبة من الحوار والجدال منها: المحاجة والمناظرة والمناقشة
والمباحثة.

 أنواع و أشكال للحوار:

*أنواع الحوار: هنالك الحوار السياسي, الاجتماعي, الاقتصادي, الديني, الفكري,
الفني.

-الحوار السياسي
: و هو الحوار الذي يتناول أمورا سياسية و هو الذي يكون بين
سياسيين معارضين لبعضهم البعض و عادة هذا النوع من الحوار هو النوع الذي يمتاز
بالحدة أكثر من غيره لأن  كل طرف من أطراف الحوار يكون متمسكاً برأيه و في
عالمنا العربي هو أكثر أنواع الحوارات .

الحوار الاجتماعي : و هو الحوار الذي يتناول أمورا اجتماعية و هو الذي يكون بين
أشخاص من مختلف شخصيات المجتمع حسب الموضوع المتطرق إليه. و عادة هذا النوع من
الحوار يمتاز بالعقلانية  و الهدوء  أكثر من الحوار السياسي لأنه يكون كل من
أطراف الحوار يوافق على مشكلة يعاني منها المجتمع و لكن هنالك أيضا مواضيع لا
تحتمل الهدوء لأنها تكون مواضيع يتخذ فيها الأشخاص طرفا فتصبح أكثر حماوة.و
يمكن أن يكون فيه المشادات الكلامية. مثل مسألة من مع تعدد الزوجات, فيكون
هنالك أطراف مع و أطراف ضد.



الحوار الاقتصادي: و هو الحوار الذي يتناول أمورا اقتصادية و هو الذي يكون بين
أشخاص من الشخصيات المعنية في الموضوع كوزير الاقتصاد. و عادة هذا النوع من
الحوار يمتاز بوجود الأرقام و الإحصائيات الكثيرة و المتعددة و هو الحوار
الأكثر جفافا  بسبب موضوعه.في الاقتصاد.

أحيانا الحلقة قد لا تحتمل الهدوء لأنها تكون مواضيع يتخذ فيها الأشخاص طرفا و
يكون الأطراف متباعدين, فتصبح أكثر حماوة.



الحوار الديني: و هو الحوار الذي يتناول أمورا دينية و هو الذي يكون بين أشخاص
من الشخصيات المعنية في الموضوع كرجل دين أو رجال دين يمثلون مختلف الطوائف إذا
كنا نتكلم عن لبنان. و عادة هذا النوع من الحوار يمتاز بدخول الماورائيات و
الأمور البعيدة عن الحسابات و المحسوبيات و هو الحوار الذي بقدر ما قد يكون
هادئا اذا لم يكن هنالك أي صراع حول موقف أو اختلاف ديني بقدر ما قد يكون حاميا
بسبب موضوعه الحساس.



الحوار الفكري: و هو الحوار الذي يتناول أمورا فكرية قد تتناول الشعر أو النثر
أو الكتابة الحرة ....الخ. ويتم استضافة شعراء أو أدباء ....الخ.. و عادة هذا
النوع من الحوار يمتاز بوجود الحس الفني و الإبداعي.



الحوار الفني: هذا النوع من الحوار يتميز بأنه يستضيف فنانين  يؤمنون التسلية و
الرفاهية للناس لذلك فهو يقدم الحوار الأقل ثقافة للمشاهد.



شكال الحوار:

 الحوار الثنائي, الحوار الثلاثي, الحوار المفتوح, الندوة
التلفزيونية,المؤتمر صحفي. المناظرة,



  الحوار الثنائي: و هو الحوار الذي يكون فيه المحاور يحاور الضيف و يكون
الحوار مقتصرا عليهما, و قد يكون هنالك اتصالات من المشاهدين و رسائل بريدية
ليجيب الضيف عليها  لكن لا يكون هنالك جمهور, . الحوار الثنائي يستعمل أكثر شيء
عندما يكون الحوار حوارا فنيا و حوارا فكريا, وأيضا أحيانا عندما يكون الحوار
حوارا دينيا أو سياسيا أو اقتصاديا. قلما يستعمل في الحوار الاجتماعي ذلك لان
المواضيع الاجتماعية كثيرة التشعب و تحتاج إلى مجموعة أخصائيين. برنامج الحوار
الثنائي مثل برنامج "خليك بالبيت".



الحوار الثلاثي:و هو الحوار الذي يكون فيه المحاور و ضيفان و هذا الحوار تكون
السيطرة عليه أصعب من الحوار الثنائي, أيضا يكون الحوار بوجود الضيفين بالإضافة
إلى الاتصالات من المشاهدين و لكن دون جمهور داخل الأستوديو. قد يكون هنالك
رسائل بريدية و تعليقات ليجيب  الضيفان عليها بحسب توجيه الرسالة إلى أي منهما
.

الحوار الثلاثي يستعمل للحورات السياسية و الاقتصادية و الدينية  بالإجمال و
أيضا تستعمل للحوارات الثقافية أو الفكرية و الحوارات الفنية. و مثل الحوار
الثلاثي مثل برنامج "كلام الناس".



الحوار المفتوح:
و هو الحوار الذي يستضيف المحاور أكثر من ضيف و يكون بوجود
الجماهير في الأستوديو بالإضافة إلى الرسائل البريدية و الالكترونية و
الفاكس,(sms ), اتصالات من المشاهدين و مشاركة من الجمهور. هذا النوع من الحوار
تكون السيطرة عليه أصعب  من الحوار الثنائي و الحوار الثلاثي بسبب وجود عدد من
الضيوف بالإضافة إلى الجمهور و الاتصالات و الرسائل الالكترونية و الفاكس و
(sms ) فيحتاج إلى الكثير من التنظيم و القدرة على السيطرة,  الحوار المفتوح
يستعمل أكثر شيء للحوارات الاجتماعية و أيضا تستعمل للحوارات الفنية و الفكرية.
و مثل برنامج الحوار المفتوح مثل برنامج " سيرة و انفتحت".

الندوة : هي عبارة عن حضور مجموعة من المعنيين للحديث حول موضوع ما بحضور عدد
من الجمهور المعني ، ويتكلمون أمامهم 0 وهناك عدة صور من الندوات :

الأولى : مجموعة من المتحدثين في موضوع ما يتناولون فيما بينهم كل ما يغطي هذا
الموضوع 0

الثانية : ندوة يحاور فيها مجموعة من الحاضرين أحد الشخصيات المسؤولة وهو يرد
على استفساراتهم .

المناظرة هي : عبارة عن حوار متبادل بين جماعتين أو عدة جماعات من الأشخاص  ـ
مثلا ـ  حول قضية تتناول الرأي ونقيضه " مؤيد ومعارض " ، حيث تدور قضية تهم
المجتمع ، ويرتكز هذا المفهوم على محورين :

ـ الأول : قيادة واعية بالقضية توجه الجماعتين بأسلوب واضح يشدد على احترام
الرأي والرأي الآخر

ـ الثاني : لكل جماعة اتجاه له أدلته وبراهينه وحججه 0

المحاضرة: وهي فن كلامي أخر أشبه بالخطبة ، لكنها أكثر من الخطبة اعتمادا على
الحقائق الموضوعية ، وأقل استعمالا للعاطفة ، وهي تميل إلى الأسلوب التقريري
الواقعي مع البعد عن الصور الخيالية والأساليب البلاغية ، ومن مقومات نجاحها  "
النقاش " والحوار بعد الإلقاء



المؤتمر الصحفي: و هو مؤتمر ليس لديه وقت محدد كما هو الحال عند الحوارات
الباقية و هذا المؤتمر يكون سببه حدث يخص عاقد المؤتمر و الموضوع ذاته. عادة
يعقد المؤتمر شخص فيتكلم و يقول ما لديه ثم يجيب على أسئلة الصحافة الموجودين
في القاعة التي يعقد فبها المؤتمر الصحفي.



الفكر الإسلامي و الفكر المسيحي  والحوار
 


الفكر الإسلامي و الفكر المسيحي بما يحتويان من العقائد والمفاهيم الأخلاقية
التي ساهمت في تنظيم وتنسيق أمور المجتمع ولعبت الرادع الأجتماعي للإنسان لعدم
سقوطه في الهاوية ،فتجد في الفكر الإسلامي و الفكر المسيحي الديمقراطية وحرية
الفرد ،والأخلاق العامة بما تقتضيه المصلحة العامة ،و باعتبار أن الدين
الإسلامي و الدين المسيحي من الأديان السماوية إلا أن الملحوظ في الآونة
الأخيرة من هذا العصر ،ظهرت  تيارات وفرق إسلامية و أخرى مسيحية تحت أسماء
مختلفة والتي بدورها لعبت دوراً فعالاً في الاهتمام بالجانب الروحي والعقلي
للبشر.
إلا أن تلك الفرق والتيارات الدينية لم تتوقف عند ذلك فقط بل تدخلت في تفاصيل
الحياة اليومية للإنسان و بذلك خلطت الأمور بين المفاهيم النظرية والعملية وترك
المبادىء الأساسية للفكر الإسلامي و المسيحي  ، حيث أظهر هذا تدخلا في الحياة
السياسية للمجتمع.
ولم تتوقف هذه التيارات عند هذا الحد بل بدت تكفر هذا ، وتضع حد لذاك ،تقتل هذا
وترهب ذاك ،وشكلت الفرق الانتحارية باسم الإيمان أكان إيمانا بالله عز و جل أو
بالمسيح عليه السلام ،متى كان الدين السماوي يقتل النفس دون حق ،فعندما انتشرت
الحضارة المسيحية و الحضارة الإسلامية لم تعتمد على هذه التيارات بل اعتمدت على
الفكر الإسلامي و المسيحي النبيل ، الذي هو بمثابة الخلاص للإنسان من متاهات
الدنيا .
فيجب على تلك الفرق والتيارات الإسلامية التي تمثل الفكر الإسلامي أن تعمل
وتجاهد على إعادة الصبغة الإسلامية والمعاير الأساسية التي تؤثر على مسار حركة
الواقع في حياة المسلمين و المسيحيين مع بعضهم البعض ،ومن هذا المنطلق يجب فتح
أقنية جادة للحوار المفتوح للوصول إلى القاسم المشترك لدفع الحضارة البشرية إلى
الأمام من خلال الحوار الهادف أو المتمدن الذي يؤدي بطبيعة الأمر إلى التعايش ,
السلم الأهلي, الأمن , السلام, يعني بمعنى آخر يؤدي إلى التعايش الحضاري أي
الحضارة.

-  الحوار و الحضارة؟

  والعلاقة بين الحوار والحضارة ، ليست مجرد علاقة مفهومية إفتراضية أو علاقة
مرغوبة نسعى لتحقيقها وإنما هي علاقة واقعية عضوية أساسها هو أن الحضارة هي
بالضرورة نتاج الحوار وثمرته وأن الحوار ، وفي حد ذاته ، فعل و سلوك حضاري اذا
فالحضارات البشرية صنع بشري يعكس صفات صانعيها من البشر. فهي ، كالبشر، تتألف
من عنصرين أساسيين : العنصر المادي والعنصر المعنوي . وهى – كالبشر- تولد
وتفنى، وتزدهر وتضمحل. وعموما، تتشكل وتتحدد صفات وتوجهات الحضارات  في إطار
المرجعية الحضارية التي توجه سلوك فئاتها الفاعلة. وكيفما كان حظ مرجعية حضارة
ما  من التوازن والاختلال، والبدائية والتطور، والمادية والروحية ، والاستقامة
والانحراف، والعدائية والودية فانه ينعكس ، و بتناسب ملحوظ ،على تلك الحضارة. .
ويعني ذلك ، في ما يعني ، أن الحوار الإسلامي-المسيحي بقدر ما هو هدف هو أيضاً
واقع يؤثر على الحضارة البشرية.

والعلاقة بين مفردتي الحوار والحضارة لها دلالات عدة لعل من أهم ما يعنينا منها
هنا - أولاً - دلالتها على أن الأصل في العلاقة بين الإسلام و المسيحية هو
الحوار وهو ما يؤيد أصالة الدعوة إلى الحوار الحضاري وشذوذية  دعوات الصراع
الديني - ثانياً - دلالتها على أهمية الحوار الحضاري عموماً ليس فقط لكون هذا
الحوار هو الأسلوب الأمثل لحل ما قد ينشأ من نزاعات أو خلافات بين الديانتين
وإنما لكون الحوار الإسلامي-المسيحي كان ومازال هو الأسلوب الأساسي ، وربما
الوحيد ، للتعاون وتبادل المنافع والمعارف الذي أتاح ويتيح للبشرية الارتقاء
إلى مستويات أعلى من التحضر.

بين القرآن الكريم في آيات عديدة أن تعدد الثقافات الإنسانية واختلاف الناس في
الدين أمر من مقاصد الخلق . قال تعالى : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ
النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلاَّ مَنْ
رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . فالاختلاف أمر قدري مثلما هو أمر
مقصود لتقوم الحجة على المخالف لكن ليس للاقتتال والنزاع إذ ليس الكفر في ذاته
مبيحاً لقتل الكافر ولإزهاق روحه.  أما التنوع في الأعراق والأجناس والألوان
واللغات فإنما يقصد به التعارف والتقارب ، لا التنافر والتفرق . قال الله تعالى
: { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } فالقصد من التعدد
والتنوع الثقافي في أدنى مراحله هو التلاقي والتعارف وتبادل الأفكار والخبرات
التي تطورها أنماط الحياة المختلفة.  وذلك مما يزيد من عمق مكونات كل ثقافة بما
تولده من الثقافات الأخرى . وبتواصل الاحتكاك السلمي بين الثقافات  يتعلم أفراد
البشر أن يقللوا من تحيزاتهم ، وأن يلطفوا من مشاعرهم السلبية تجاه أصحاب
الثقافات الأخرى ، فيزيد التسامح بين البشر ، وتصحح تلك الأفكار الخاطئة تجاه
الآخرين ، وهذا أمر يعرفه الإنسان حتى من تجاربه الخاصة مع الأفراد ، فما أكثر
ما يحمل الواحد منا فكرة سلبية عن فرد آخر يكون الدافع الوحيد لها هو عدم
الحوار مع هذا الآخر  وعدم معرفته معرفة قريبة وثيقة أكيدة ، ولكن سرعان ما
تنجلي غشاوة ذلك التحيز بمجرد أن يتم الحوار والتعارف الوثيق معه.

وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تؤكد تنوع تجارب البشر وعدم احتقار الآخرين لمجرد
الاختلاف عنهم ، وقد صارت الثقافة الإسلامية غنية بفعل الاحتكاك بالشعوب الأخرى
وتبادل الأفكار معها وأخذ ما عندها من الحق حتى ولو جاء ذلك الحق من عند من
يعادون الإسلام . ولقد  قبلت الشعوب المسلمة عقيدة  الإسلام  واحتفظت بعاداتها
وتقاليدها الخاصة  التي لا تخالف الإسلام وإن كانت لا تتفق مع عادات شعوب
إسلامية أخرى ولا تقاليدها . وتلك هي رحابة الإسلام وسماحته التي ضمت الجميع .
ولعل خير ما يمكن أن يستخلص من ذلك هو أن التنوع في الحوار هو أداة خصوبة
وإغناء ، مثلما عبر عن ذلك المفكر الاجتماعي سكوت بيك حيث قال : " إن الرسالة
الإجمالية للتواصل والحوار الإنساني تتلخص ( أو ينبغي أن تتلخص ) في البلوغ إلى
التصالح ... إن التواصل والحوار الكفء يستطيع أن يصل في النهاية إلى تحقيق
إزالة الجدران والحواجز التي تؤدي إلى سوء التفاهم الذي يبعد البشر عن بعضهم
الآخر " .

لقد دعا القرآن الكريم إلى الحوار مع الآخرين حواراً رفيعاً مهذباً كما قال
الله تعالى: { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ }، وكما قال سبحانه: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }، وقال تعالى: { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ
يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}،
فمجرد الغلظة في الحوار واستخدام المفردات الجافة الفظة  غير مرغوب ناهيك عن
سباب الناس وإيذائهم وتحقيرهم وازدرائهم وغير ذلك من الممارسات الناجمة أساساً
عن عدم الاعتراف بالآخرين وعدم الإيمان بجدوى الحوار نفسه ، وهؤلاء لا ينبغي
لهم أن يتصدوا للحوار أو لا يمكن أن يحققوا منه أي نتائج إيجابية .

الحواربين منطق  الشكل الحيوي

ومنطق  الجوهر العنصري.

 و لكن ما هو تعريف الشكل الحيوي و الجوهر العنصري؟

  الشكل الحيوي:

 الشكل الحيوي يشمل الشكل الخارجي ولكن لا يقتصر عليه بل يتضمنه
كطريقة تشكل. ولذلك الشكل الحيوي المقصود هو ليس بالقشرة  او الصورة الخارجية
للحوار  كما هو الحال عند الشكلانيين ولا يعني الصورة  الجوهريه كما هو الحال
عند الارسطيين ولا يعني المثال الروحي  الخالد الازلي  السامي كما هو الحال عند
الافلاطونيين . فالشكل هو طريقة تشكل الكائن سواء كان شكلا قشريا خارجيا أم
شكلا  داخليا تحت  القشرة  ، الشكل هو طريقة تشكل سواء  كان ظاهرا ام غير ظاهر,
ممكن التعرف ام غير ممكن, ساميا ام متدنيا, سماويا ام ارضيا,خالدا ام مؤقتا,
واقعيا ام وهميا,  ماديا ام روحيا. حوارا أم صمتا, حوارا كتابيا أم حوارا
لفظيا. فهو الحوار الايجابي.

-     إذن فما هي يا ترى مواصفات الحوار الإيجابي الذي نسعى لترسيخه بيننا ؟
الحوار الإيجابي الصحي هو الحوار الموضوعي الذي يرى الحسنات والسلبيات في ذات
الوقت ، ويرى العقبات ويرى أيضا إمكانيات التغلب عليها ، وهو حوار متفائل (في
غير مبالغة طفلية ساذجة) وهو حوار صادق عميق وواضح الكلمات ومدلولاتها وهو
الحوار المتكافئ الذي يعطي لكلا الطرفين فريضة التعبير والإبداع الحقيقي ويحترم
الرأي الآخر ويعرف حتمية الخلاف في الرأي بين البشر وآداب الخلاف وتقبله . وهو
حوار واقعي يتصل إيجابيا بالحياة اليومية الواقعية واتصاله هذا ليس اتصال قبول
ورضوخ للأمر الواقع بل اتصال تفهم وتغيير وإصلاح وهو حوار موافقة حين تكون
الموافقة هي الصواب ومخالفة حين تكون المخالفة هي الصواب فالهدف النهائي له هو
إثبات الحقيقة حيث هي لا حيث نراها بأهوائنا وهو فوق كل هذا حوار تسوده المحبة
والمسؤولية والرعاية وإنكار الذات.

            الجوهر العنصري: الجوهر ثابت فهو لا يتغير أبدا, فهو يعبر عن مصالح
و احتياجات تتصف بعدم الاقرار بالتغير أو بالتواصل و منطق الجوهر هو الجذر
المشترك بين الفلسفات الماديه والروحيه و الدينييه وغير الدينيه التي تحتكر
لنفسها دون غيرها امتلاك الحق - والحقيقه ,الأمر الذي يجعلها تحتوي  ازدواجية
معايير وتتحوى بسياسات عنصريه بوعي او بدون وعي. منطق الجوهر هو تعبير حيوي ضمن
ظروف تفرضها مصالح مغلقة تتضمن النظر إلى الذات بوصفها تختلف جوهريا عن ذات
الآخرين وبالتالي تبيح لنفسها ما لا تبيحه لغيرها. و بالتالي تبيح لنفسها
ازدواجية المعايير, وتستفيد من التحويات  الاستغلالية والاستعلائية, العنصرية
فكريا و سياسيا.

فما هي أشكال الحوارات التي فيها الجوهر العنصري؟
1- الحوار العدمي التعجيزي : وفيه لا يرى أحد طرفي الحوار أو كليهما إلا
السلبيات والأخطاء والعقبات وهكذا ينتهي الحوار إلى  لا فائدة، ويترك هذا النوع
من الحوار قدراً كبيرا من الإحباط لدى أحد الطرفين أو كليهما حيث يسد الطريق
أمام كل محاولة للنهوض,  كما يحصل في حوارات المتطرفين المتشبصين بآراءهم.
2-  حوار المناورة (الكر و الفر): ينشغل الطرفان أو أحدهما بالتفوق اللفظي في
المناقشة بصرف النظر عن الثمرة الحقيقية والنهائية لتلك المناقشة وهو نوع من
إثبات الذات بشكل سطحي, كما يحصل عندما يحاول أحد الأطراف اثبات رأيه و صحة
تفكيره دون محاولة فهم الطرف الاخر.
3-  الحوار المزدوج: وهنا يعطى ظاهر الكلام معنى غير ما يعطيه باطنه لكثرة ما
يحتويه من التورية والألفاظ المبهمة وهو يهدف إلى إرباك الطرف الآخر ودلالاته
إنه نوع من العدوان الخبيث, كما يحصل عندما يحاول أحد الأطراف ادانة الطرف
الآخرخاصة اذا كان طائفيا متشددا  و لكن لا يريد أن يبرز طائفيته.
4-  الحوار السلطوي (اسمع واستجب): نجد هذا النوع من الحوار سائدا على كثير من
المستويات ، فهناك الأب المتسلط والأم المتسلطة والمدرس المتسلط والمسئول أو
المراقب المتسلط...الخ وهو نوع شديد من العدوان حيث يلغي أحد الأطراف كيان
الطرف الآخر ويعتبره أدنى من أن يحاور ، بل عليه فقط السماع للأوامر الفوقية
والاستجابة دون مناقشة أو ضجر وهذا النوع من الحوار فضلا عن أنه إلغاء لكيان
وحرية طرف لحساب الطرف الآخر فهو يلغى ويحبط القدرات الإبداعية للطرف المقهور
فيؤثر سلبيا على الطرفين و بذلك على الحوار.
5-  الحوار السطحي (لا تقترب من الأعماق فتغرق): حين يصبح التحاور حول الأمور
الجوهرية محظورا أو محاطا بالمخاطر يلجأ أحد الطرفين أو كليهما إلى تسطيح
الحوار طلباً للسلامة أو كنوع من الهروب من الرؤية الأعمق بما تحمله من دواعي
القلق النفسي أو الاجتماعي و خاصة اذا كان هنالك بعد و جفى متراكم فيلجأ
الطرفان الى كلام المجاملة و لكن كلا الطرفان يعرفان أنهما سطحيان.
6-  حوار الطريق المسدود) لا داعي للحوار فلن نتفق ) : يعلن الطرفان (أو
أحدهما ) منذ البداية تمسكهما (أو تمسكه) بثوابت متضادة تغلق الطريق منذ
البداية أمام الحوار وهو نوع من التعصب الفكري وانحسار مجال الرؤية .عندها أصلا
لا يكون حوارا.
7-  الحوار الإلغائي أو التسفيهي(كل ما عداي خطأ): يصر أحد طرفي الحوار على ألا
يرى شيئا غير رأيه ،وهو لا يكتفي بهذا بل يتنكر لأي رؤية أخرى ويسفهها ويلغيها
وهذا النوع يجمع كل سيئات الحوار السلطوي وحوار الطريق المسدود و هنا الجوهر
العنصري في الحوار يبرز بامتياز عندما يعتقد أحد ممثلي جهة من الجهتين في
الحوار انه فقط على حق و الآخر على خطأ.
8- حوار البرج العاجي : ويقع فيه بعض المثقفين حين تدور مناقشتهم حول قضايا
فلسفية أو شبه فلسفية مقطوعة الصلة بواقع الحياة اليومي وواقع مجتمعاتهم وغالبا
ما يكون ذلك الحوار نوع من الحذلقة وإبراز التميز على العامة دون محاولة
إيجابية لإصلاح الواقع خاصة اذا كان عن المثاليات التي لا يمكن تجسيدها على أرض
الواقع.
9-  الحوار المرافق (معك على طول الخط) : وفيه يلغي أحد الأطراف حقه في التحاور
لحساب الطرف الآخر إما استخفافا (خذه على قدر عقله) أو خوفا أو تبعية حقيقية
طلبا لإلقاء المسئولية كاملة على الآخر .
10-  الحوار المعاكس (عكسك دائما) : حين يتجه أحد طرفي الحوار يمينا يحاول
الطرف الآخر الاتجاه يسارا والعكس بالعكس وهو رغبة في إثبات الذات بالتميز
والاختلاف لشدة تطرفه و رغبته بالاختلاف لشدة احتقاره للآخر فيعاكس بعند ولو
كان ذلك على حساب جوهر الحقيقة .
11-  حوار العدوان السلبي (صمت العناد والتجاهل) : يلجأ أحد الأطراف إلى الصمت
السلبي عنادا وتجاهلا ورغبة في مكايدة الطرف الآخر بشكل سلبي دون التعرض لخطر
المواجهة . و خاصة اذا لم تكن لديه أي رغبة للحوار فالتطرف هكذا يكون احدى
نواحي شخصيته.
كل هذه الألوان من الحوارات السلبية الهدامة تعيق الحركة الصحيحة الإيجابية
التصاعدية للفرد والمجتمع والأمة، وللأسف فكثير منها سائد في مجتمعاتنا العربية
الإسلامية-المسيحية. للحوار أهداف الحوار :

إن المقصود من الحوار ليس المجابهة والإفحام إذ إن ذلك هو من باب المناظرة
ومحاولة الظهور على الخصم وتعجيزه عن الرد . وإنما المقصود أن يحصل كل ما يأتي
أو بعضه :

1-            معرفة أطروحات الطرف الآخر ووجهات نظره وحججه في القضايا التي هي
موضوع الحوار .

2-     تعريف الطرف الآخر بما يغيب عنه أو يلتبس عليه من المعلومات ووجهات
النظر والبراهين في القضايا التي هي موضوع الحوار .

3-     العمل على إقناع الطرف الآخر ليتخلص من وجهات نظره ومواقفه كلياً أو
جزئياً في القضايا التي هي موضوع الحوار ليتقبلها ويعمل على تبنيها بعد اقتناعه
بها سواء بعد الحوار مباشرة أو تدريجياً على المدى الطويل .

4-     العمل على استكشاف ما لدى الطرف الآخر من حقائق وإيجابيات والاعتراف بها
وقبولها والاستفادة منها طالما ( أن الحكمه ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى
بها ) .

5-     العمل على استكشاف ما عند المحاور من معلومات غير صحيحة أو دقيقة ومما
في وجهات نظره أو مواقفه من ثغرات وأخطاء  والعمل على تداركها وإصلاحها .

6-            تشييد جسر للتواصل السلمي البناء وسد الطريق أمام المواجهات
والمصادمات مما يبدد الجهود .

7-            إن الحوار يساعد على التوقد الذهني وهي صفة ملازمة لأجواء التحدي
الفكري والحوار المتبادل .

8-     قد يؤدي الحوار إلى إيضاح الحقيقة بالإضافة إليها ، فيعطي كل فرد ما
يعرف من أجزاء الحقيقة حتى يمكن تركيبها كاملة وحتى صاحب الحق فإن أجزاء اً من
الحق تبرز له بصورة أوضح أثناء توقده الذهني في لحظات الحوار .

 


 آداب الحوار


حسن الخطاب وعدم الاستفزاز وازدراء الغير، فالحوار غير الجدال . واحترام آراء
الآخرين شرط نجاحه ، ولنا في حوار الأنبياء مع أقوامهم أسوه حسنة، فموسى وهارون
أمرا أن يقولا لفرعون قولا لينا لعله يذكر أو يخشى . وفى سورة سبأ يسوق الله
لنا أسلوبا لمخاطبة غير المسلمين حيث يقول في معرض الحوار . \"وإنا وإياكم لعلى
هدى أو في ضلال مبين\" .
أن يصدر عن قاعدة قدرها علماء المسلمين وهى قاعدة \"قولي صواب يحتمل الخطأ وقول
غيري خطأ يحتمل الصواب \" فالحق ضالة المؤمن وضالة الإنسان العاقل واتباع الغير
واتباع الشهوات مما عابه القرآن على الكافرين وعده سببا لهلاك الأمم .
إجمالاً عندما يحصل تعارض في المصالح ونرغب في التوصل إلى حلّ مقنع فإن الطريق
الأفضل هو الحوار..
ومن أجل أن يكون الحديث بنّاءً لابد لنا من أن نتواصل مع الطرف الآخر أولاً
ونتفاهم معه بشكل واضح ومثمر ثانياً ..إن الكل منّا يمتلك قدرات فردية ومهارات
أخلاقية يدير بها علاقاته مع الآخرين ويستخدمها في العديد من مواقف المساومة
والتفاوض..
إلاّ أن في مواقف الاختلاف أو النزاع التي في الغالب تثير شحنة قوية من
الانفعالات فإننا أحياناً ننسى القواعد الأساسية للتواصل والحوار الهادئ...
وهنا سنحاول تسليط الضوء على بعض النقاط الأساسية في هذا الموضوع لنتذكرها
عندما ترتفع وتيرة الحديث وتتصاعد حرارة النقاش وربما تبدأ محاولات الفرض
والتحكم والسيطرة على الآخرين.

يبقى السؤال ما هي أسباب عدم معرفتنا بأسلوب الحوار و عدم اعتماده في حياتنا
اليومية؟

إن لكل أمر في حياتنا قوانين وضوابط تجعله ضمن حدود مبتعدة عن نقاط المبالغة في
الصواب و الوقوع في الخطأ ومن ضمن هذه الأمور أسلوب الحوار أو النقاش.

لا يخفى إلى جانب هذا أننا ورثنا من عصور الانحطاط عادات وتقاليد تربوية لا
تتفق مع بناء الفرد والنهوض به، فقد كان يسود في الأسرة في كثير من البيئات
العربية نظام شبه عسكري، حيث يُسكت الرجل المرأة، والأخ الأكبر الإخوة الصغار،
ويُسكت الصبيان البنات... أضف إلى هذا اللجوء العام إلى الصمت ما لم تحدث
مشكلة، فينتبه الأبوان إلى ضرورة الكلام من أجل العلاج! أما في الكتاتيب
والمدارس، فقد ساد التلقين وقل البحث والتنظير، كما ساد الكبت والضرب، وكان من
المألوف في العديد من البيئات الإسلامية، أن يقول الأهل لشيخ الكتَّاب إذا
دفعوا إليه الصبي:"لك اللحم ولنا العظم"، أي لك أن تضرب حتى لو أدى ذلك إلى
تمزق اللحم، أما العظم فليس من حقك كسره. وكأن الوالد هو الذي سيقوم بتلك
المهمة، لتكتمل دائرة العنف على الطفل المسكين!
وساد كذلك لدى بعض التيارات والتوجهات الدينية المهتمة بتربية النفوس الاستسلام
للشيوخ و للرهبان والتماس الأعذار والتأويلات لما يقومون به، ولو كان ينطوي على
مخالفة شرعية ظاهرة. ومن العبارات المشهورة في هذا قولهم:"من قال لشيخه: لم لم
يفلح أبداً"! وكانت نتيجة تلك التربية تخريج أجيال يسيطر عليها اليأس والخوف
والاتكالية وانتظار المساعدة عوضاً عن تقديمها. أجيال لا تحسن التعبير عن
أفكارها وحاجاتها وآرائها. ولا تشعر بذواتها وإمكاناتها. وكانت عاقبة كل ذلك
انحدار مكانة الأمة بين الأمم وطمع الأعداء فيها وانتشار التعانف والتقاتل في
ديارها عوضاً عن التراحم والتعاون والتناصح والتدافع بالتي هي أحسن وأرفق.
لدينا مصطلح (الحوار) ومصطلح (الجدال) ولهما دلالة مشتركة على دوران الكلام بين
طرفين وترجيعه بين شخصين أو فريقين. فكيف يجب أن يكون الحوار الناجح:

جميعنا لا تخفى عليه أهمية الحوار الناجح في حياتنا ، و لكن المشكلة أحياناً
تكمن بعدم قدرة الشخص على إعطاء الحوار ما يستحق من اهتمام ليستطيع من خلاله
إثبات وجهة نظره مثلاً أو حتى التوصل إلى أحد الحلول المناسبة ..

1. الانطباع الأولي : ، المهم دوماً هو الانطباع الأولي الذي يقدم الى الشخص
الذي يحاور ، بهذا الانطباع يتم التأكد على قدرة أحد الطرفين على التعامل مع
الظروف المختلفة بالأهمية نفسها ، بالاضافة إلى أن الانطباع الأولي وجد ليبقى
للأبد ...
فمن المستبعد جداً أن يقوم شخص بتغيير النظرة الأولى التي نظر بها إليك ، إلا
في حال إثبات أنك أحسن من تلك النظرة التي رمقك بها .

2. أن يكون هنالك ثقة بالكلام : إبدأ دائماً بكلامٍ أنت واثق منه ثقة عمياء ،
فلا تجادل فيما علمت عنه القليل ، بل كن كما العالم في علمه ، يمشي واثقاً مما
لديه من معلومات ، تبحر فيها ، و درسها دراسة عمياء .

3. دع البدء بالحديث لغيرك : من أهم النقاط التي لابد للشخص أن يؤكد عليها ، هي
معرفته لما يعرف خصمه ، فبذلك تستطيع أن تحاوره بعلمه ، لا بعلمك ، و من ثمّ
تقوم بتقديم النصح له و المعونة ، بعلمك لا بعلمه ....
و إياكم و مجادلة الجاهل .....

فما ناقشت عالماً إلا و غلبته --- و ما ناقشت جاهلاً إلا و غلبني ...

4. لا تستحي من قول : " لا أعلم " ...
فبها تدفع نفسك للعلم ، و بها تأخذ التقدير من الناس ...

5. انسحب طالما كانت الكرة في ملعبك : حاول دائماً الانسحاب كلما وجدت أن الأمر
بدأ بالتشعب بأمور لا تعلمها أو لست خبيراً بها ، بل أجّل هذا النقاش إلى أن
تستزيد ، و تعلم ما تقول ...

6.   لا تدخل في نقاش ، مالم يكن هنالك منه نتيجة : و إلا فأنت بهذا النقاش
تضيع وقتك على أمور لا فائدة منها .

كما أنه هنالك:

1-    النقاش الجاد : هو حوار الأعضاء في القضايا بشتى أشكالها وأنواعها
    2- التزام القول الحسن ؛؛ وعدم التجريح .
"       وجادلهم بالتي هي أحسن"
3- عدم تكرار محور النقاش في عدة مواضيع, حتى وإن اختلف الأسلوب.
4-  عند الاستدلال بالآيات القرآنية أو النصوص الانجيلية أكثر من المحاورة في
المنطق.
5-  مراعاة الجدية في النقاش .
فكما نعلم لكل مقام مقال,  ولكل حادث حديث .
لذلك  يجب على المحاور أو المحاورة,و حتى أطراف الحوار التزام الجدية في الطرح
وفي النقاش,
6- لا استهتار وسخرية " كاستخدام الاختصارات بشكل مبالغ فيه أو قلب الموضوع إلى
غرفة  من غرف(  التشات)
7- تجنب منهج التحدي والإفحام , وناقش  بكل عقلانية وتحضر.

و اذا لم يتم اتباع الأمور التي ذكرت فإن من المألوف أن يقع خلال الجدل بعض
الظلم والادعاء والكذب والتطاول واستخفاف أحد المتجادلين بالآخر. وقد قال
الله –جل وعلا-:"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ
وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ" [الحج:8]، ومن هنا وجهنا –سبحانه- إلى أن
نجادل المجادلة المقيدة بالأدب الإسلامي الرفيع، والمجادلة بالحق ؟

حيث قال:"وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل:125]، وقال:"وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ
الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [العنكبوت:46]، أما الحوار فمع
دلالته على تردد الحديث بين اثنين إلا أنه لا يحمل صفة الخصومة وإنما يحمل صفة
الحرص على العلم والفهم والاطلاع. إن الدافع الأساسي للمحاور الجيد ليس إقناع
من يحاوره بوجهة نظره وجعله يقف إلى جانبه، وإنما دافعه الأساسي أن يُري محاوره
ما لا يراه، وأن يظفر من محاوره أيضاً بأن يكشف له غموض أمور لا يراها ولا
يعرفها، إن كلاً من المتحاورين يطلب الوضوح ومعرفة الحق والحقيقة. ولا شك في أن
بعض الحوار قد ينقلب عند الانفعال وتوفر اعتبارات معينة إلى جدل عقيم ومقيت.
كما أن بعض الجدل قد يتسم بالرفق والحكمة.
إن الحوار لا ينبغي أن يكون أسلوباً نستخدمه داخل الأسر والمدارس من أجل تربية
الصغار وتعليمهم فحسب، وإنما ينبغي أن يكون أسلوب حياة، يسود في الأسرة
والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام وفي الشركة والمؤسسة والدائرة الحكومية.. إن
الحوار الحيوي للجميع، وإن غيابه عن حياتنا سوف يؤذي الجميع؛ وذلك لأن البديل
سيئ جداً، وهو كثيراً ما يكون القهر والكبت والانعزال والأنانية، واتباع الهوى
وتصلب الذهن ومحدودية الرؤية، وإعجاب كل ذي رأي برأيه!
يمكن القول إنه لا يكاد يخلو بيت أو مؤسسة أو مدرسة من شيء من الحوار، لكن
السؤال هو: هل كل حوار يؤدي إلى تربية جيدة؟ وهل أي حوار -مهما كان- يعد كافياً
لزرع المفاهيم والقيم والعادات الجيدة في شخصيات الصغار والكبار؟ طبعاً لا.
إن الحوار الذي يربي فعلاً هو الحوار الجيد والعلمي والموضوعي والقائم على أسس
أخلاقية جيدة. حين يتوفر الحوار الجيد والمديد والمستمر فإنه يولد، ويقتضي
بطريقة غير مباشرة عدداً ممتازاً من الأفكار والمفاهيم والرؤى والمبادئ
والعادات والسلوكات الصحيحة والرائدة.

 


 شروط حوار ناجح ومثمر

 

 

 

:
1- الإيمان العميق بأن لكل إنسان أن يعبر عن ذاته، وأن يدافع عن قناعاته في
إطار المبادئ الكبرى المجمع عليها، وإتاحة الفرصة للمرء كي يعبر عن قناعاته
ومزاجه... شرط جوهري لنمو الحياة العقلية والروحية، كما أنه مشروط لشعور الطفل
بكرامته وإنسانيته
.
2-  حتى يصبح الحوار أسلوب حياة يجب أن نؤمن بأن الواحد منا مهما بلغ من
التحصيل العلمي، ومهما كانت عقليته ممتازة فإنه في نهاية الأمر لا يستطيع أن
يصدر إلا عن رؤية جانبية محدودة. وذكاء الجماعة أكبر من ذكاء الفرد. ومن خلال
الحوار نستطيع معرفة رأي الجماعات والمجموعات، والاستفادة من أكبر قدر ممكن من
الآراء
.
3-  من المهم -حتى يصبح الحوار أسلوب حياة- أن نوطن أنفسنا لقبول النقد. فقد
يوجه التلميذ في المدرسة أثناء الحوار انتقاداً لأسلوب التدريس، أو ينتقد عدم
كفاية استخدام المدرس لوسائل الإيضاح. وكذلك يتعرض الأبوان في الأسرة إلى شيء
من الاعتراض والمراجعة حول مجمل قراراتهما في إدارة شؤون الأسرة ومعالجة
مشكلاتها. وحين نفقد روح التسامح والمرونة الذهنية المطلوبة لذلك فإننا سننظر
إلى الحوار على أنه باب لإساءة الأدب من قبل الصغير مع الكبير، وسيكون البديل
آنذاك هو التعسف والاستبداد.
حين نحاور الأطفال في البيوت والمدارس، وحين نعتمد أسلوب الحوار في مجالسنا
وإداراتنا ومؤسساتنا نحرز عدداً لا بأس به من النجاحات التربوية على الصعيد
الفكري وعلى الصعيد العقلي، وأيضاً على الصعيد الاجتماعي.
من خلال الحوار الناجح والموضوعي والمستمر نتمكن من تنمية الحس النقدي لدى
الأطفال في البيوت والمدارس. والحقيقة أن ما يتم من مراجعات ومجادلات بين
المتحاورين يعد وسيلة مثالية للوصول إلى هذا الغرض.
لا يعني النقد اكتشاف السلبيات فحسب، بل يعني اكتشاف السلبيات واكتشاف مساحات
الخير والحق والجمال في الأقوال والمواقف والعلاقات والأشياء.
حين يسمع الأطفال وجهات نظر متباينة ومتعددة في الموضوعات والقضايا المطروحة
للنقاش، فإنه تنمو لديهم القدرة على المقارنة، والمقارنة –كما يقولون- هي أم
العلوم. ومن خلال نمو المقارنة تتشكل رحابة عقلية جديدة لا يمكن بلوغها عن غير
هذه السبيل.
حين ندير حوارتنا على نحو جيد فإننا من خلال الحلول الوسطى والآراء المعدَّلة
والملقحة نشيع في حياتنا الرؤى المتدرجة، كما نشيع القابلية العقلية لإدراك ما
في الأشياء من نسبية. وأعتقد أن تخفيف الاحتقان والتوتر الاجتماعي وكذلك تخفيف
التوتر السائد في علاقاتنا مع المنافسين والخصوم على المستوى الدولي –يتطلب أن
نؤسس في نفوس وعقول الصغار والكبار أن الخير في الناس، وكذلك الشر ليس مطلقاً؛
حيث لم يجعل الله –جل ثناؤه- الفضائل حكراً على أمة أو جيل أو مجتمع، كما أنه
لم يجعل الرذائل كذلك. ويتطلب كذلك أن نؤسس في الأذهان أن هناك واجباً دون واجب
وحراماً دون حرام وأذى دون أذى ونجاحاً دون نجاح وإخفاقاً دون إخفاق... وأعتقد
أنه في زمان شديد التعقيد وكثير الغموض بات الأطفال –على نحو أخص- بحاجة إلى
تربية تنمي لديهم فقه الموازنات، وهذا الفقه يقوم على عدد من المبادئ المهمة،
منها:
- لكل شيء ثمن، وهذا الثمن قد يكون وقتاً، وقد يكون جهداً، وقد يكون مالاً، وقد
يكون سحباً مما لدى المرء من رصيد الالتزام أو الكرامة أو السمعة...
- من تلك المبادئ أيضاً ضرورة العمل على تحقيق خير الخيرين، ودفع شر الشرين،
فقد نفوِّت خيراً أصغر من أجل الحصول على خير أكبر. وقد ندفع شراً أكبر بالوقوع
في شر أصغر. وقد نحتمل الضرر الأصغر من أجل تحاشي الوقوع في ضرر أكبر.
من خلال الحوار بوصفه صبغة عامة للاتصال والمعايشة نتبادل رسالة عظيمة قائمة
على نفسية الرخاء وعقلية السعة، حيث يوقن الجميع أن في إمكان المرء تحقيق ذاته،
والوصول إلى أهدافه وبلورة آرائه على الرغم من إتاحته الفرصة للآخرين بأن
ينقدوه ويجادلوه، ويعترضوا على بعض ما يقول. وعلى العكس من هذا فإنه حين ينعدم
أو يضعف الحوار في مؤسسة أو أسرة أو مدرسة... فإن كل واحد من الذين يعيشون في
تلك المحاضن يشعر بالعوز والضيق وقلة الفرص، ويسود اعتقاد بأن تقدُّم فلان
ونجاحه لا يتم إلا على حساب الآخرين، كما أن نجاح أي واحد من الأقران والزملاء
لا يتم إلا إذا تضرر وتراجع! وهذا بسبب سيطرة فلسفة خفية توحي للناس بأنه ليس
في الأرض من الخير ما يكفي لإسعاد الجميع، فتسيطر عقلية الشح حتى في الأفكار
والآراء، فالأمور محسومة، فإما أن يكون الحق معي أو معك. وإما أن أكون أنا على
الطريق الصحيح، وإما أن تكون أنت، حيث لا يتوفر لدينا طريق ثالث!
أما حين يسود الحوار فسيدرك الناس -ولو بطريقة غير واضحة- أن هناك دائماً
طريقاً ثالثاً وفكرة معدلة، حيث إنه ما احتك مفهوم بمفهوم مناقض إلا أمكن أن
يتولد عن هذين المفهومين مفهوم ثالث، هو أرقى منهما لأنه ثمرة لرؤية مشتركة،
ونتيجة لتلاقح العقول الفذة.
ولنتأمل في قول الله –جل وعلا-:"الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله
يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم".
إننا من خلال الحوار نكتشف القواسم المشتركة، ونجد أن الذي يقف في أقصى اليمين
يتواصل على نحو ما مع الذي يقف في أقصى اليسار؛ لأن الحوار يتطلب بطبيعته بلورة
قواعد جديدة واكتشاف أرضيات لم يسبق لنا عهد بها. إن الحوار بالنسبة إلى الكبار
أشبه باللعب بالنسبة إلى الصغار، ولو أنك أعطيت مجموعة من الأطفال
دراجة –مثلاً- ليلعبوا عليها فإنك ستجد أنهم خلال دقائق توصلوا إلى بلورة قاعدة
لتداولها والاستمتاع بها، وهكذا نحن الكبار فإننا في حوارنا المتواصل مع بعضنا
ومع أسرنا وأطفالنا نستطيع بلورة العديد من المبادئ والأدبيات والرمزيات التي
تجمع بيننا، وتقربنا من بعضنا.
إن الحوار يحجم الخلاف في العديد من الأمور، ويزيل سوء الفهم وسوء التقدير وسوء
الظن الذي يسود في حالات التدابر والتجافي. وهذا يمهد الطريق للتعاون والتعاضد
والعمل معاً وكأننا فريق واحد كلنا مع بعض يد بيد نحن المسلمون و إخواننا
المسيحيين.
ولا بد هنا أن أشير إلى نقطة مهمة، وهي أن الحوار يُنعش فيمن نربيهم ونعلمهم
الشهية لطرح الأسئلة، حيث إنه بطبيعته يتضمن ما لا يحصى من الأسئلة، إن المحاور
يستفهم من محاوره عن بعض الغوامض، ويطلب منه الدليل على بعض ما يورده من أقوال
وآراء ومسائل، كما أنه كذلك يعترض من خلال الأسئلة على بعض ما يقوله محاوره...
وهذا
كله يمرن الأطفال والناشئة والشباب والكبار على أن يفضوا بما في أنفسهم،
وأن يسألوا عن الأشياء غير المنطقية وغير المستساغة مما يرون ويسمعون. والحقيقة
أن كثيراً من ينابيع الحكمة يتفجر، وكثيراً من شرارات الإبداع والابتكار ينقدح
ويتوهج من خلال الأسئلة التي يطرحها النابهون والسائرون في دروب النجاح
والتفوق.
إن طريق الحوار هو طريق المستقبل وهو طريق النهوض وطريق الفهم العميق والرؤية
الثاقبة، كما أنه طريق التآخي والتعاون، وإذا لم نسلك هذا الطريق، فقد يكون
الطريق الذي نسلكه هو طريق التباغض والتجافي والتعانف والانغلاق وسوء الفهم،
وهذا ما لا يتناسب مع الرؤية الإسلامية- المسيحية للمستقبل، كما لا يتناسب مع
الأدبيات الإسلامية-المسيحية في العلاقات الاجتماعية.
والله من وراء القصد.فاستخدام قواعد التفاهم البنّاء يسهل علينا التفاهم في كل
مراحل الحوار أو أكثرها.. لأنه يعبّد الطريق للتواصل.. والالتقاء .وفرص
الالتقاء بدورها هي الأخرى توفر لنا مجالات جيدة للتعبير الواضح عن رغباتنا
واحتياجاتنا وطموحاتنا وقد قدّمنا فيما سبق أن التعبير الواضح عن الشعور والهدف
يزيد جسور الثقة قوة وتماسكاً، وبذلك نستطيع أن نتجنب العراك ونبدّل أجواء
المعركة إلى واحات للسلام نقترب معها أكثر فأكثر نحو التفاهم والتعاون وتبادل
وجهات النظر بشكل حقيقي وصادق ...وينبغي أن نعرف قبل كل شيء.. أنه كلما كان
خلافنا مع محدّثنا أعمق كلما كان التحاور معه أصعب... وكلما كان التحاور أصعب
ازدادت حاجتنا إلى تقنيات التواصل المثمر.
أساسيات وقواعد التفاهم:
من الواضح أن التعاطي مع الآخرين فن وعلم قائم بذاته...
وحيث أن التعاطي يقوم بالأخذ والعطاء.. أو قُلة الكلام والاستماع إلى كلام
المتحدث وبعبارة موجزة أن الكلام المثمر والتفاهم الجيد هو الذي يعتمد على
معادلة متوازنة في الأخذ والعطاء والإسماع والاستماع.. وسنذكِّر ببعض النقاط
الأساسية التي لها تأثير في فرض التفاهم على الحوار، ففي الإسماع -ونحن نتحدث-
إذا أردنا أن نجعل كلامنا نافذاً إلى قلب مستمعنا.. وحديثنا مؤثراً فيه
 أسس الإسماع والاستماع

:
1- تحدَّث إلى المستمع لا عنه، أي لا تقيّم...
2-  لا تعمّم؛ أي اجعل كلامك في عيّنات معيّنة لا الكل..
3- لا تقدّم نصائح وإرشادات.
4-  تحدّث بصراحة وعبّر عن مشاعرك ومخاوفك وطموحاتك.
5-  قبل وأثناء الكلام ميّز بين المسائل الجوهرية والثانوية.
6- لا تقيّم في كلامك :غالباً ما تنجرّ المحادثات إلى التعبير عن المواقف تجاه
القضايا المختلفة وهذا أمر طبيعي، ولكن الأمر الذي ينبغي تجنبه دائماً هو أن نع
بّر عن رأينا بصيغة التقييم والحكم... فإن هذا من شأنه أن يثير حفيظة الطرف
الآخر ويجرح مشاعره وربما يحسسه بانتهاك الكرامة الأمر الذي يدفعه باتجاه رد
فعل معاكس وربما عنيف يحول دون مواصلة الحوار..
ذات مرة أطلق أحد المحاورين حكماً تقييمياً تجاه مستمعه إذ قال له:
- إنك جديد في تجاربك ولم تنضج بعد وهذا أمر ينقصك فينبغي عليك أن تتعلم
أولاً ثم تأتي للحوار معي!!.
- إنك لا تفهم هذه الأمور والأفضل أن لا تتحدث فيها!!.
- حقاً إنك لا يمكن الاعتماد عليك.
- إنك وضيع  المستوى وغير مسؤول...

أو مثلا :
انا عندي دليل على تحريف الإنجيل....
و انا عندي دليل على تحريف القران ......
وأنا.....
و أنا.....
وأنا.....
وأنا....
وأنا.....
وأنت....
وأنت....
و هو ....
وهي....
ونحن....
و هنَ و العالم و البشر و الإنسان........
و دينك و دينه ضاع و تشوه و تغير و تعدل....
انتوو اذا من هلا هيك عم تعملو... شو تركتو لولادكون و اولاد ولادكون ؟؟....
الأديان رح  تتحرك و تتحول لرماد و غير ظلالها ما رح نشوف...... و غير فروقاتها
ما رح نحس.....
ديني على صح و دينك على خطا ؟؟؟
ديني اصح من دينك ؟؟؟؟؟

لماذا لا نتقبل فكرة أنه ليس من الضروري أن يكون هذا على خطأ وهذا على صواب
لماذا لا نفكر أن طالما أنه أحد لا يؤذي الآخر فان الجميع على صواب لأن الجميع
يعبد الله سبحانه و تعالى و لكن كل بطريقته. و يصبح القول:
لما بتقول الله اكبر بتحس بروحك وصلت إلى  الله
و لما بتقول أبانا الذي في السموات بتحس قلبك عم يخفق خفق
إلا أنه واضح أن طريقة المحادثات الاستفزازية و التجريحية تحفّز عند المستمع
مكامن الغضب وتوقظ عنده الشعور بلزوم رد الفعل الدفاعي .. وهو رد فعل قد يكون
طبيعياً بما أننا بشر حيثما نشعر بانتهاك كرامتنا.
صحيح أننا أحياناً نصادف محاورين لهم من المرونة وسعة الصدر والمهارة ما يعينهم
على تجاوز هكذا حالات إلاّ أنّ الأعم الأغلب لا يملكون هذه السماحة والصبر
فيثورون ضدّنا وبالتالي سيكون إمكان التفاهم فضلاً عن التعاون والتنسيق في خبر
كان...
وليس هذا فقط بل سينعكس الأمر على الموضوع الأصلي للمحادثات وربما يتحول مجرى
الحديث إلى صراع شخصي وينحرف الكلام حتى يصبح موضوع الاجتماع ثانوياً وهذا
بالتأكيد ليس الهدف الذي دخلنا من أجله للاجتماع...
من هنا يتضح أن النقد والتقييم للآخرين ليس دائماً صحيحاً بل وفي الكثير من
الأحيان يضر ولا يفيد لأنه يقلب الود إلى توتر والتفاهم إلى عراك وربما يجدّد
جروحاً جئنا من أجل تضميدها..
لذا يجب أن نستبدل التقييم بتغذية معلوماتية تتضمن شرح آراءنا ومشاعرنا
وطموحاتنا وتوقعاتنا إزاء سلوك الطرف الآخر فمثلاً يمكن التعبير هكذا: - لاشك
أن مجال عملك يحتاج إلى المزيد من الخبرة وطول النفس وأرجو الله أن يساعدك على
التوفيق فيه..
- - من الطبيعي أنّك ملتفت إلى أننا كبشر نخطئ ونحتاج إلى التعلم دائماً حتى
نتمكن أن نحقق طموحاتنا وأهدافنا.

هذا التعبير في نفس الوقت الذي يتضمن نقل الرأي بصورة مباشرة وإيجابية يدفع
الطرف الآخر إلى المزيد من المنطقية ويحثّه باتجاه المزيد من المعلومات
والتجارب بلا تجريح ولا خدش... وفي نفس الوقت قد يستبطن بعض الإشارات إلى جهات
النقض...
هذا اأسلوب في النقاش و الحوار يحتاج الى أسلوب و من هنا نرى أن هنالك فنا خاصا
هو فن الحوار.

ما هو فن الحوار؟

عدة أسئلة اذا تم الاجابة عليها يعرف الشخص اذا كان يتقن فن الحوار:

كيف تكسب مناقشتك ؟
هل سبق وانهزمت في مناقشتك وشعرت أن الحق معك لكنك لا تعرف كيف توصل وجهة نظرك
؟
أو هل سبق وتحولت مناقشتك إلى معركة وجدانية حامية ربما تطورت إلى معركة
بالألفاظ ؟
هل شعرت يوما أن الطرف الأخر في النقاش معك خرج صامتا لأنه فقط يريدك أن تسكت
وليس لأنه مقتنع بكلامك ؟
إذا سبق وحصل لك شيء مما سبق فاعلم انك لست مناقش جيد ولا تجيد بعض أصول
المناقشة .. لأن النقاش فن راق وحساس لا يجيده الجميع وله أصول خاصة إذ لا يجب
أن نكثر منه إلا إذا شعرنا بأننا نود توضيح وجهة نظر هامة حول موضوع مفيد ، لأن
النقاش في هذه الحالة يزيد ثقافة الإنسان وإطلاعه أما إذا كان حول موضوع تافه
أو غير مهم وشعرت أن النقاش حوله لن يضيف جديدا فالأولى تركه لقول الرسول صلى
الله عليه وسلم( أنا زعيم بيت في رياض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا(
و لتطبيق فن الحوار يجب أن يكون هنالك عدة أسس تتبع:
1-  دعه يتكلم ويعرض قضيته :
لا تقاطع محدثك ودعه يعرض قضيته كاملة حتى لا يشعر بأنك لم تفهمه لأنك إذا
قاطعته أثناء كلامه فإنك تحفزه نفسيا على عدم الاستماع إليك لأن الشخص الذي
يبقى لديه كلام في صدره سيركز تفكيره في كيفية التحدث ولن يستطيع الإنصات لك
جيدا ولا فهم ما تقوله وأنت تريده أن يسمع ويفهم حتى يقتنع كما أن سؤاله عن
أشياء ذكرها أو طلبك منه إعادة بعض ما قاله له أهمية كبيرة لأنه يشعر الطرف
الآخر بأنك تستمع إليه وتهتم بكلامه ووجهة نظره وهذا يقلل الحافز العدائي لديه
ويجعله يشعر بأنك عادل.
2-  توقف قليلا قبل أن تجيب :
عندما يوجه لك سؤالا تطلع إليه وتوقف لبرهة قبل الرد لأن ذلك يوضح انك تفكر
وتهتم بما قاله ولست متحفزاً للهجوم.
3- لا تصر على الفوز بنسبة 100%:
لا تحاول أن تبرهن على صحة موقفك بالكامل وان الطرف الآخر مخطئ تماما في كل ما
يقول . إذا أردت الإقناع فأقر ببعض النقاط التي يوردها حتى ولو كانت بسيطة وبين
له انك تتفق معه فيها لأنه سيصبح أكثر ميلا للإقرار بوجهة نظرك وحاول دائما أن
تكرر هذه العبارة ( أنا أتفهم وجهة نظرك )، ( أنا اقدر ما تقول وأشاركك في
شعورك ).
4-  اعرض قضيتك بطريقة رقيقة ومعتدلة:
أحيانا عند المعارضة قد تحاول عرض وجهة نظرك أو نقد وجهة نظر محدثك بشيء من
التهويل والانفعال ، وهذا خطأ فادح ، فالشواهد العلمية أثبتت أن الحقائق التي
تعرض بهدوء اشد أثرا في إقناع الآخرين مما يفعله التهديد والانفعال في الكلام .
وقد تستطيع بالكلام المنفعل والصراخ والاندفاع أن تنتصر في نقاشك وتحوز على
استحسان الحاضرين ولكنك لن تستطيع إقناع الطرف الآخر بوجهة نظرك بهذه الطريقة
وسيخرج صامتا لكنه غير مقتنع أبدا ولن يعمل برأيك 5- تحدث من خلال طرف آخر :
إذا أردت استحضار دليل على وجهة نظرك فلا تذكر رأيك الخاص ولكن حاول ذكر رأي
أشخاص آخرين ، لأن الطرف الآخر سيتضايق وسيشكك في مصداقية كلامك لو كان كله عن
رأيك وتجاربك الشخصية على العكس مما لو ذكرت له آراء وتجارب بعض الأشخاص
المشهورين وغيرهم . وبعض ما ورد في الكتب والإحصائيات لأنها أدلة أقوى بكثير.
6-  اسمح له بالحفاظ على ماء وجهه :
لأن الأشخاص الماهرين والذين لديهم موهبة النقاش هم الذين يعرفون كيف يجعلون
الطرف الآخر يقر بوجهة نظرهم دون أن يشعر بالحرج أو الإهانة ، ويتركون له مخرجا
لطيفا من موقفه ، إذا أردت أن يعترف الطرف الآخر لك بوجهة نظرك فاترك له مجالا
ليهرب من خلاله من موقفه كأن تعطيه سببا مثلا لعدم تطبيق وجهة نظره أو معلومة
جديدة لم يكن يعرف بها أو أي سبب يرمي عنه المسؤولية لعدم صحة وجهة نظره مع
توضيحك له بأن مبدأه الأساسي صحيح ( ولو أي جزء منه ) ولكن لهذا السبب ( الذي
وضحته ) وليس بسبب وجهة نظره نفسها- فإنها غير مناسبة .
أما الهجوم التام على وجهة نظره أو السخرية منها فسيدفعه لا إراديا للتمسك بها
أكثر ورفض كلامك دون استماع له لأن تنازله في هذه الحالة سيظهر وكأنه خوف وضعف
وهو مالا يريد إظهاره مهما كلف الأمر.

 فن الحوار الناجح الهادف و المتمدن:

فن الحوار والاقناع
الصفات الاساسية للمحاور الناجح :
1- اللباقة : وهي ان تقول اكره الاشياء واقساها بارق العبارات واحلاها .
2- رباطة الجأش وهدوء البال .
3- حضور البديهة.
4- النفوذ وقوة الشخصية .
5- قوة الذاكرة .
6- الامانة والصدق .
7- ضبط النفس .
8- التواضع .
9- العدل والاستقامة
 .

10-   العلم بالقواعد الأصولية ومقاصد الشريعة : وهذا جانب مهم من العلم لأن
معرفة الأدلة تحتاج إلى المعرفة بتلك القواعد حتى يتم تخريج الأحكام على أساس
أصولي صحيح ، وإلا اختل الميزان وجرى التلاعب بالأحكام . ومقاصد الشريعة عليها
أيضاً التعويل في استخراج كثير من الأحكام . لقد كان علماء السلف أشد الناس
تحرياً لمقاصد الشرع . يقول الإمام محمد الطاهر بن عاشور : " وفي هذا العمل
تتفاوت مراتب الفقهاء ، وترى جميعهم لم يستغنوا عن استقصاء تصرفات الرسول e ولا
عن استنباط العلل ، وكانوا في عصر التابعين وتابعيهم يشدون الرحال إلى المدينة
ليتبصروا من آثار الرسول e وأعماله وعمل الصحابة ومن صحبهم من التابعين ، هنالك
يتبين لهم ما يدفع عنهم احتمالات كثيرة في دلالات الألفاظ ، ويتضح لهم ما
يستنبط من العلل تبعاً لمعرفة الحكم والمقاصد " .

11-   العلم بموضوع الحوار :  فعلى من يتصدى للحوار في موضوع معين أن يكون على
علم شامل أو على الأقل كاف  بأساسيات الموضوع وتفاصيله وذلك حتى لا يجادل عن
موقف لا يدرك خلفياته جيداً فينهزم في الحوار . وعليه كذلك أن يحيط علماً بوجهة
نظر الطرف الآخر حتى لا يسدد سهام حواره بعيداً عن مدارات الموضوع فتسجل عليه
الهزيمة كذلك . وقد اشترط القرآن الكريم العلم فيمن يحاور عن دين الله القويم
وعاب على قوم أنهم يجادلون بغير علم، يقول تعالى : { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ
يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ  }
(الحج/8) وأمر المسلم أن يحاور بعلم وهدى وبصيرة  فقال تعالى : { قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي }
(يوسف : 108)  .

12-    الجهر بالحق :  إن الحوار ينبغي ألا يؤدي إلى المداهنة والدبلوماسية
التي تغطي على الحقائق وعلى الخلافات وتعمل على ترميمها ظاهرياً وتلفيق موقف
اتفاق زائف . وقد ذم الله تعالى من يعمل على كتمان حقائق الدين قائلاً: { إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ
بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ
اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ } (البقرة / 159)  وذم من أهل الكتاب
أولئك الذين يزورون حقائق الأمور فقال : {  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ } ( آل عمران / 71 ) . إن في تزوير الحقائق اجهاضاً لجميع مقاصد
الحوار والتبادل الثقافي ، فما قام الحوار أساساً إلا لتبادل المعلومات
والآراء ، فإن جاءت مغشوشة فلن يكون القصد من الحوار إلا الغش والتستر بمواقف
هي غير المواقف الأصلية للحوار .

13-   التجرد لطلب الحق : فالحوار ليس معركة حربية غرضها الانتصار وكسر الخصم .
فعلى المحاور أن يفترض – ولو نظرياً – احتمال ثبوت الحق على لسان الخصم ، وذلك
أدب جم من آداب الحوار ، قال تعالى  إرشاداً لمسار الحوار  : { قُلْ مَنْ
يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ
إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } ( سبأ / 24 )  . وهذا هو
مقام التنازل الذي يعطيه المحاور – افتراضاً – للآخرين حتى يجلبهم إلى مائدة
الحوار .

14-   الحوار بالحسنى : فلا مجال للعنف والغلظة في أي حوار بناء ولا يلجأ
للقسوة على الخصم إلا عند ظلمه وتجاوزه ، فيردع بالقوة إيقافاً له عند ظلمه ،
وهذا هو الاستثناء لا الأصل في الحوار . إن الحوار بالحسنى يتضمن استخدام أطراف
الحوار لبعضها بعضاً ، والرغبة المخلصة في تحقيق النفع المشترك ، وبغض النظر
عمن يكسب جولات الحوار .

وفي تحديد الإطار المهذب للحوار جاء قول الله تعالى : { وَلا تُجَادِلُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْهُمْ } . وذكر بعض المفسرين أن المقصود بالذين ظلموا أولئك الذين نصبوا
القتال للمسلمين بدل الجدال . وجاء قول الله تعالى مؤكداً استخدام القول اللين
في مخاطبة الآخرين في وصية موسى وهارون عليهما السلام : { فَقُولا لَهُ قَوْلاً
لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } . وأوصى رسول الله e دوماً
بالرفق في القول مع الآخرين والصبر على تطاولهم وإيذائهم .

15-   التثبت واتقاء الزلل : وعلى من يحاور أن يجهد نفسه لضبط أعصابه ليثبت
الأمور ولا يجازف بالقول ولا يتحمل الحجج ولا يتسرع فيزل ويجنح إلى خطأ لمجرد
أنه يريد أن ينافس محاوره وينتصر عليه . وكثيراً ما يزل المتحاورون بسبب
الانتصار لأنفسهم ، وهذا ما يوحيه الشيطان ليغلَِب حق النفس على الحق المحض .
وكما قال معاذ بن جبل -  رضي الله عنه – فإن الشيطان قد يقول الضلالة على لسان
الحكيم . وقال تميم الداري – رضي الله عنه - : "اتقوا زلة العالم " ، فسأله عمر
: " ما زلة العالم " ؟ قال : " يزل بالناس فيؤخذ به ، فعسى أن يتوب العالم ،
والناس يأخذون بقوله " .

16-   منهجة الأفكار : إن التعلم يحتاج إلى الذكاء والمثابرة والدأب والبصيرة ،
أما منهجة الأفكار فتحتاج إلى مهارة خاصة تصقل بالمران والدربة . إن كثيراً من
العلماء مهما زاد محصولهم من العلم المستند إلى الأدلة ، فإنهم قد لا يحسنون
ترتيب مسائله ترتيباً منطقياً ، فتبدو معارفهم مشتتة ومختلطاً بعضها ببعض ،
وكلما زادت حصيلتهم من العلم ازدادت أذهانهم اختلاطاً وتشوشاً ونقلوا ذلك
الاختلاط والتشوش إلى السامع ، وهذا آخر ما يحتاج إليه السامع وأول ما يفسد على
العالم رسالته ويسبب فشله في الحوار .

إن المحاور الناجح هو ذلك الذي يدرب نفسه على منهجة الأفكار وترتيب النصوص
والأدلة ، واستخراج مقدمات تخضع للتحليل بغرض استخراج النتائج منها . فإعطاء
النتائج بدون ذلك الترتيب المنطقي قد لا يكون محل اقتناع أو تسليم من الطرف
الآخر في الحوار ولا من جمهور السامعين .

وعلى المحاور أن يتعهد موضوعه بالمذاكرة الوافية والترتيب المنطقي وأن يعد نفسه
للحوار إعداداً جيداً ، فحتى العالم فإنه معرض للنسيان ولأن تخذله ذاكرته
ويتشتت ذهنه وتنفرط براهينه إن لم يقم ببذل الجهد الكافي لواجب الحوار وهنا قد
ينتصر صاحب الرأي الخاطئ والحجة الباطلة فقط لأنه كان مرتب الذهن ولأنه استخدم
المنطق جيداً ولأنه واجه محاوراً صاحب حق ولكنه ممثل سيئ لحقه بسبب ما هو عليه
من بلبلة وتضعضع وتعثر في المنطق .

17-   منطق البداهة : إن الإيغال في تركيب البراهين قد يغري المحاور بأن يبتعد
كثيراً عن منطق البداهة ، وعن استخدام المسلمات الأولى التي يتفق عليها الناس
جميعاً ، ويعمل بالتالي على الإغراب في توليد الصيغ وسلاسل الاعتماد . وذلك
مهما بدا مهماً مما يكل الأذهان ويبعد عن التباس حرارة الحق الشاخص . المحاور
الناجح هو من يتمكن من التقاط المشاهدات والمسلمات والبدهيات العالية في الحياة
والبناء عليها ، لأن البناء على أمثال هذه الفرضيات يكون بمثابة البناء على
مقدمات صلبة لا ينازع عليها الطرف الآخر ، بل تثير إعجاب السامع وتدفع إلى
اعترافه بالحق وإذعانه له
.

18-     تجويد لغة الحوار : لا بد للمحاور أن يسيطر على اللغة التي يحاور بها
حتى يتمكن من الإفصاح عن جوهر ما يريد قوله وأن يختار الألفاظ والتعابير الأقوى
في إيصال تلك المعاني . أما إذا كانت لغة المحاور ضعيفة ، فإن أفكاره مهما كانت
صحيحة أو عميقة فإنها تبدو ضعيفة وسطحية وشديدة الاهتزاز ، وكثيراً ما يحكم
الناس على المتحدث بمستوى تمكنه من اللغة والإفصاح بها لا بمستوى تمكنه من
العلم والتعمق والتحقيق فيه ، وهكذا كثيراً ما انهزم محاورون كانوا على حق ،
ولكن خانتهم ملكاتهم اللغوية الخائرة .

29-     التسليم بالحق من أي مصدر جاء : فالوصول إلى الحق هو غاية الحوار .
وليس غايته إفحام الخصم وجرجرته إلى التسليم بالرأي الذي يطرحه من يحاوره .
وعلى كل من يحاور أن يعد نفسه لقبول نتيجة الحوار إن ظهر ضعف رأيه وحجته إزاء
قوة رأي الخصم وحجته . وكثير من العناد الذي يعقب الحوار يرجع أصله إلى عدم
تحلي المحاور نفسه بالتواضع لإلزامها بقبول الحق . فليس ثمة منهزم ولا منتصر ،
ولكن التزام بالحق وانصراف إليه .

إن على المحاور ألا يشعر خصمه بالدونية وبأنه على الخطأ الذي لا صواب معه ولا
إمكان صدور أي صواب عنه . فحتى الكفار يمكن أن يصدر عنهم بعض الرأي الصائب على
ما هم فيه من ضلال ويمكن أن يستدرجوا لينطقوا بالصواب .  إن القاعدة العامة هي
أن على المحاور أن يهيئ ذهنه لتلقي الصواب من أي جهة عملاً بقول الإمام الشافعي
رحمه الله: " قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب " ، وما روي
عنه أنه ما حاور إنساناً قط إلا وتمنى أن يأتي الحق على لسانه
 

 

 معوقات الحوار والاقناع :
1-  النطق غير السليم .
2- الصوت غير الواضح .
3- الفأفأة في الحوار .
4- الصمت لفترات طويلة دون ردة فعل .
5- عدم مراعاة اداب الحديث .
10- التسرع ) الاستنتاج الخاطيء).
11- عوامل نفسية ( السن – العادات و التقاليد( .

12-  غموض مضمون الحوار .
13-  عدم منطقية الحوار .
14-  افتقار الرسالة الاقناعية الى التكرار .
15-  عدم اجادة المتحدث لأساليب الإقناع المناسبة وفنونه اللغوية والحركية .
16- افتقار المتحدث إلى العوامل التي تؤهله لممارسة الإقناع كالثقة بالنفس
والجاذبية والاحترام . 17-  افتقاد المتحدث إلى أهم مؤهلات الإقناع كالذكاء
والفطنة و القدرة على المناورة .
18-  عدم اقتناع المتحدث بما يقدمه للغير ( فاقد الشيء لا يعطيه ) .
19-  عدم التحصيل العلمي لدى المتحدث .  ?
20-  وجود تعارض وتنافر وتضارب بين المتحدث والمستمع سواء في التفكير او في
الاتجاهات أو الدوافع ونحوها .
21-  عناد المتلقي ( المستمع ) وغروره المفرط .
22-  عدم ثقة المستمع بنفسه .
23-  عوائق فنية كالتشويش وسوء الإرسال وسوء الأداء .



إن مرحلة الاختلاف والخلافات والأخذ بالموقف الأُحادي الواحد دون قبول الرأي
الآخر قد انتهت و أتمنى أن نبقى نفكر بالآخر على أنه بشر مثلنا مثله و ننسى أنه
من دين غير ديننا أو من ملة غير ملتنا.
و مثل هذه التمنِّيات حين نؤمن بها ونسعى نحو تطبيقها والالتزام بها، إنما نأخذ
بأفضل السبل لبناء مستقبلنا نحو ما هو أفضل، باعتبارها هاجسنا جميعاً نحو تفعيل
الكثير من المتطلبات الحضارية باتجاه تحقيق ما هو على قائمة الانتظار وهو كثير
من مطالبنا، وهي مطالب علينا أن نعترف بأنها لم تتحقق رغم مضي زمن طويل منذ أن
أطلَّ الصوت المخلص ينادي بتحقيقها..
و اذا أصبح هناك تناغم فيما بيننا، في أسلوب الحوار ودواعيه والغرض منه، وما هو
مفترض أن يحققه من نتائج مفيدة كي نخفي بها ونقضي من خلالها على افتعال الخلاف
غير المبرَّر فيما بيننا أحياناً، فإن أهدافنا المشتركة ستكون موعودة بأسباب
النجاح الذي نتمناه.
لا بأس أن نختلف في اتباعنا لأديان و ملل مختلفة, و لكن كلنا نتفق في محبتنا
لأمهاتنا و أبائنا و أولادنا و بناتنا و أصدقائنا و صديقاتنا و أزواجنا و
زوجاتنا و أحبابنا و حبيباتنا و أرصنا اللبنانية الحبيبة.
فالتباين في وجهات النظر مبدأ مقبول ضمن إطاره الصحيح..
بل ومطلوب وضروري..
وهو ظاهرة صحية..
باعتباره الخيار الأمثل لتصحيح الكثير من الأوضاع..
متى ما توصل المتحاورون إلى قواسم مشتركة فيما بينهم
لذلك، علينا أن نمارس حقنا في إبداء وجهات نظرنا، ولكن بالكلمة الطيبة التي
تصدر من القلب إلى القلب..
وبالضوابط المناسبة..
فلا يجرح أحد أحداً..
ولا يسيء شخص لآخر..
مع الالتزام التام والقاطع بعدم تفسير الأمور بغير ما قصده أو حرص أن يقوله هذا
الشخص أو ذاك..
وبخاصة حين يكون هذا الرأي مكتوباً أو مسجَّلاً..
ولنا أن نتفق مع هذا الآخر أو نختلف معه..
وأن نرده إلى الصحيح من الفكر إن كان مخطئاً..
أو نلتقي معه ونلتف حوله متى كان محقاً..
وهذا هو حوار العقلاء الذي بقي لبنان طوال ستين سنة في فترة الحرب ينادينا
لأجله فلننصت الآن و لنقول معا مسلمين و مسيحيين لبيك يا لبنان لبيك يا بيروت!
و نعترف الآن أمام الله الواحد نعترف باننا أهديناها بدال الوردة سكينا, و معا
ننادي و نصرخ لبيروت قومي قومي من تحت الردم , قومي اكراما .... للانسان,
اكراما لنا يا بيروت الحبيبة.



امثلة


اذا أردت أن أقيم حوارا, فعلي اتباع أسلوب الحوار والنقاش الهادف:
عند اختيارك لأسلوب الحوار والنقاش والمشاركة ينبغي مراعاة ما يلي :
للحوار والنقاش والمشاركة أثر كبير في فهم الموضوع والاقتناع به وفي تذكره
كذلك ، لذا يقول الحكيم الصيني كونفو شيوس : ( قل وسوف أنسى ، أرني ولعلي
أتذكر ، شاركني وسوف أتذكر ) . كما أن بعض الدراسات تشير إلى أن الإنسان يتذكر
بعد شهر 13% من المعلومات التي تلقاها عن طريق السماع ، و75% من المعلومات التي
تلقاها عن طريق السماع والرؤية ، و95% من المعلومات التي تلقاها عن طريق الحوار
والنقاش .
أن لا امتنع عن المناقشة والمحاورة بحجة أن الوقت قصير أو أن هناك موضوعات
كثيرة تحتاج إلى شرح وتفصيل ، أو أن أخشى من سيطرة أحد المشاركين وتفرده
بالحوار ، و يجب أن اعلم أن وظيفتي لا تنحصر في تلقين محتويات الموضوع ولكن
وظيفتي تمتد لتشمل إقناعهم بهذه المحتويات وتحسين أدائهم ، ولا يتأتى ذلك إلا
بالحوار والمشاركة .
يجب أن أحرص على تنظيم جلوس المتحاورين بحيث يرى بعضهم بعضا ويرون في الوقت
نفسه المدرب وكذلك الوسائل التدريبية ، فمثلا إذا جلس كل مجموعة من المتدربين
حول طاولة مستديرة فبفضل أن يتركوا جزءا من الطاولة مفتوحا في مواجهة الوسائل
المرئية .
يجب أن أحرص على بيان الموضوع أو المشكلة المطروحة للنقاش بوضوح و أقوم  بتزويد
المشاركين بالمعلومات والبيانات التي تعينهم على المشاركة والحوار
يجب أن أقدر آراء المشاركين ويجب أن أحفزهم للمشاركة والحوار وطرح الآراء مهما
تكن غريبة
كما أنه يجب اشراك جميع المشاركين في الحوار ، وأحرص على أولئك الذين يشعرون
بالخجل ، ولا وأتجاهلهم أو الرضا بانزوائهم وعدم مشاركتهم .
يجب أن أكون عادلا في توزيع فرص الحوار والنقاش على المشاركين ، ولا بأس أن
أفسح المجال أكثر لأصحاب الخبرة والعلم أو لذوي الحاجات والمشكلات
يجب أن أسيطر على الحوار، وأدره بإتقان، وأحذر من أن يستأثر أحد الجمهور أو
الضيوف بالحوار والحديث، فإن ذلك سيكون على حساب الآخرين، كما أنه سبب لضجرهم
وتذمرهم.
كما أنه يجب أن أقلل ما أمكن من مقاطعة أحد المشاركين لي أو لبعضهم بعضا، وأحرص
على أن يتم كل متكلم ما عنده من أفكار وآراء، ثم أعطي فرصة لمتحدث آخر.
إذا أطال أحد المشاركين الحديث فأقطعه بلطف وأدب ، كأن أعلق بإيجاز على حديثه ،
أوأؤيد كلامه الأخير ، أو ألتفت إلى مشارك آخر ، كما يفضل أن أستفيد من وقفات
المشارك الطبيعية لمقاطعته .
يجب أن أتجنب الدخول في جدل عقيم أو طويل مع المشاركين.
كما يجب أن أكون قريبا من جميع المشاركين، وأحرص على التحرك فيما بينهم
ليتمكنوا من الاتصال بي بسهولة.
يجب أن أحرص على مناداة المشاركين بأسمائهم فإن ذلك أقرب وأحب إلى نفوسهم
كما يجب تجنب استخدام العبارات القاسية أو التعليمات الحادة مثل : قف ، تكلم ،
ابدأ ، واحرص على استخدام أسلوب الاقتراح بدلا من أسلوب الأوامر .
إذا سألت فاسأل الأسئلة الواضحة والقصيرة.
فكما يجب أن أتدرج من الأسئلة العامة إلى الأسئلة الخاصة.
لا يجب أن أوجه أسئلة صعبة لشخص أنا متأكدة أنه لا يحسن الإجابة عنها لئلا
أحرجه.
يجب أن أنصت جيدا للسائل ولا أنشغل عنه بأمور أخرى .
لا أظهر للسائل أية مشاعر تعبر عن مدى غباء السؤال أو عدم مناسبته أو قلة
أهميته .
أتأكد أنني فهمت السؤال جيدا وعلمت مقصود السائل .
لاأهمل الإجابة عن أسئلة المشاركين .
لا أخرج عن موضوع السؤال وأكون دقيقا واضحا .
أحدد نقاط الاختلاف وأركز الحوار والنقاش حولها .
أقوم بتلخيص النتائج التي تم التوصل إليها والفوائد التي تم الحصول عليها من
خلال النقاش الذي دار .

   

 

 

حافظ الجمالي محمود استانبولي محمد الراشد جلال فاروق الشريف جودت سعيد روجيه غارودي
بيير تييه رنيه شيرر اوليفييه كاريه مفيد ابو مراد عادل العوا وهيب الغانم
اتصل بنا من نحن جميع الحقوق محفوظة لمدرسة دمشق المنطق الحيوي 1967 - 2004